مصر جسر الحياة إلى غزة وسط أهوال الحرب

تتصدر قائمة الدول العربية والإفريقية.. القاهرة ضمن العشر الكبار عالميا في تقديم المساعدات الإنسانية لغزة

أخبار مصر

جانب من المساعدات
جانب من المساعدات

منذ السابع من أكتوبر 2023، حين اندلعت المواجهات العسكرية في قطاع غزة بين الفصائل الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، تحولت الأراضي الفلسطينية المحاصرة إلى ساحة حرب مفتوحة، انعكست آثارها على المدنيين الأبرياء الذين وجدوا أنفسهم بلا مأوى ولا غذاء ولا دواء.

ومع تزايد حجم الكارثة الإنسانية وتردي الأوضاع الصحية والمعيشية، برز الدور المصري بشكل لافت، إذ تحولت القاهرة إلى نقطة ارتكاز رئيسية في إيصال المساعدات إلى القطاع، رغم ما يكتنف هذه العملية من مخاطر وتحديات.

ومنذ الأيام الأولى للحرب، سارعت مصر إلى فتح معبر رفح البري أمام تدفق المساعدات الإنسانية، في وقت كانت فيه أغلب المعابر الأخرى مغلقة أو خاضعة لرقابة صارمة من قوات الاحتلال، وهذا القرار السياسي والإنساني أعاد إلى الأذهان أدوارًا تاريخية سابقة لعبتها القاهرة في دعم الشعب الفلسطيني.

لكنه هذه المرة جاء في ظروف أشد قسوة وتعقيدًا، فالمعابر كانت مزدحمة بالشاحنات، والمطارات المصرية تحولت إلى ساحات لاستقبال طائرات الإغاثة القادمة من مختلف دول العالم، ليتم إعادة شحنها ونقلها إلى غزة عبر الحدود.

وبحسب بيانات الهيئة المصرية العامة للاستعلامات ووزارة التضامن الاجتماعي، بلغ إجمالي المساعدات المصرية التي دخلت غزة منذ 7 أكتوبر وحتى اليوم أكثر من 100 ألف طن، نقلتها أكثر من 10،500 شاحنة عبر معبر رفح، تضمنت هذه المساعدات 65 ألف طن من المواد الغذائية الأساسية مثل الدقيق والأرز والزيوت والبقوليات، و15 ألف طن من المستلزمات الطبية والأدوية وأجهزة دعم الحياة، و8 آلاف طن من مياه الشرب ومواد النظافة الصحية، إضافة إلى 12 ألف طن من الوقود اللازم لتشغيل المستشفيات ومحطات المياه والطوارئ.

كما خصصت مصر 300 سيارة إسعاف مجهزة بالكامل لنقل الجرحى من قطاع غزة إلى المستشفيات المصرية، وبحسب وزارة الصحة المصرية، جرى نقل أكثر من 4،700 جريح فلسطيني منذ بداية الحرب، من بينهم 850 طفلًا و620 سيدة، تلقوا العلاج في مستشفيات العريش والإسماعيلية والقاهرة، وتم تجهيز مستشفى ميداني كامل في مدينة الشيخ زويد بطاقة استيعابية تبلغ 120 سريرًا جراحيًا، إضافة إلى تخصيص 3 آلاف طبيب وممرض في حالة طوارئ مستمرة لدعم ضحايا الحرب.

لم تقتصر المساعدات المصرية على ما هو ملموس فقط، بل امتد الدعم إلى إقامة مستشفيات ميدانية قريبة من الحدود وتخصيص فرق طبية من مختلف التخصصات للتعامل مع الجرحى والمصابين القادمين من غزة، كما أرسلت مصر فرقًا من الدفاع المدني لدعم جهود إطفاء الحرائق والبحث عن المفقودين تحت الأنقاض وخصصت السلطات المصرية طائرات عسكرية لنقل المساعدات بشكل عاجل من القاهرة إلى العريش، ومن ثم نقلها عبر قوافل برية إلى معبر رفح.

هذا الجهد الضخم لم يكن سهلًا فقد واجهت مصر تحديات سياسية وأمنية هائلة، أبرزها التهديدات المستمرة التي أطلقها قادة الاحتلال بشأن السيطرة على المعبر، إضافة إلى صعوبات التنسيق مع الجهات الأممية المعنية مثل الأونروا ومنظمة الصحة العالمية ومع ذلك تمكنت مصر من فرض نفسها كطرف رئيسي لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات إنسانية تخص غزة.

وإلى جانب الجهد المصري الضخم، ساهمت بعض الدول العربية في دعم الشعب الفلسطيني عبر قنوات مختلفة، أغلبها اعتمد على المعابر المصرية للوصول إلى غزة ومنها المملكة العربية السعودية حيث  أعلنت عبر مركز الملك سلمان للإغاثة إرسال 35 ألف طن من المواد الغذائية والطبية منذ بداية الأزمة، بالإضافة إلى 200 مليون دولار كمساعدات مالية عاجلة ودعم للأونروا لتقديم الخدمات الأساسية داخل القطاع، كما أطلقت الرياض حملة وطنية أسفرت عن جمع ما يزيد على 120 مليون دولار في غضون أسبوع واحد من فتح باب التبرع.

الإمارات العربية المتحدة من جانبها، أطلقت "عملية الفارس الشهم"، التي تضمنت إقامة مستشفى ميداني كامل التجهيز داخل غزة بطاقة 150 سريرًا، وإرسال 4،300 طن من الإمدادات الطبية والغذائية عبر جسر جوي وصل إلى مطار العريش بشكل يومي، مع استقبال مئات المصابين للعلاج في مستشفيات أبوظبي ودبي.

والأردن كان له حضور لافت بإرسال مستشفى ميداني عسكري في بيت حانون داخل القطاع، إضافة إلى تسيير طائرات مساعدات تحمل مواد غذائية ومستلزمات طبية يوميًا عبر مصر، فيما قدمت دولة قطر أكثر من 100 مليون دولار كمساعدات عاجلة للشعب الفلسطيني، ودعمت برامج الأمم المتحدة الإنسانية لتأمين الغذاء والمياه داخل القطاع.

لكن اللافت أن أغلب هذه الجهود اعتمد على التنسيق المباشر مع القاهرة، سواء في إدخال المساعدات أو ضمان سلامة نقلها عبر الأراضي المصرية، ما جعل الدور المصري عمودًا فقريًا لأي دعم خارجي يوجه لغزة.

ولم يتوقف الدور المصري عند الدعم الإغاثي فحسب، بل امتد ليشمل تحركات دبلوماسية مكثفة لإيقاف إطلاق النار وضمان استمرار تدفق المساعدات، فقد استضافت القاهرة العديد من الاجتماعات الإقليمية والدولية التي ضمت مسؤولين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، فضلًا عن ممثلين عن الفصائل الفلسطينية.

وفي أكثر من مناسبة، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي على أن حماية المدنيين ووقف الانتهاكات الإسرائيلية يشكلان أولوية قصوى، وقد نجحت هذه الجهود في انتزاع موافقة مؤقتة على إدخال الوقود إلى غزة، رغم اعتراضات إسرائيلية متكررة، ما مكن المستشفيات ومحطات الكهرباء من العمل في الحد الأدنى.

كما عكست الأزمة الحالية حجم الإمكانيات اللوجستية التي تمتلكها الدولة المصرية، إذ استطاعت خلال أيام معدودة إنشاء منظومة متكاملة لنقل وتوزيع المساعدات بمشاركة جميع مؤسسات الدولة، بدءًا من القوات المسلحة ووزارة التضامن الاجتماعي وصولًا إلى الهلال الأحمر المصري الذي لعب دورًا محوريًا في تنسيق تدفق المساعدات من الداخل والخارج.

ورغم الظروف الاقتصادية التي تعانيها مصر محليًا، استمرت القاهرة في تخصيص موارد ضخمة لدعم الشعب الفلسطيني، ما يعكس مكانة القضية الفلسطينية في الوجدان المصري واعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي، ولقد أدركت الدولة المصرية أن الحرب في غزة ليست أزمة محلية تخص الفلسطينيين فقط، بل تهديدًا للاستقرار الإقليمي بأسره.

وحجم المساعدات المصرية لغزة منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر وحتى اليوم يشكل شاهدًا حيًا على عمق العلاقة التاريخية والإنسانية التي تربط مصر بالشعب الفلسطيني فلقد تحولت القاهرة إلى جسر حياة حقيقي يمد القطاع بما يحتاجه للبقاء في مواجهة حرب شرسة أحرقت الأخضر واليابس، ومع تضافر الجهود العربية والدولية إلى جانب مصر، يبقى الأمل قائمًا في أن تتوقف آلة الحرب، ليحل محلها سلام عادل يضمن حق الفلسطينيين في الحياة بكرامة.

لكن حتى يتحقق هذا الهدف، تظل قوافل المساعدات التي تعبر رفح يوميًا هي الرمز الأبرز للتضامن العربي والإنساني في واحدة من أصعب اللحظات التاريخية التي يمر بها الشعب الفلسطيني.