الفانوس الرمضاني.. من الفاطميين إلى الأزقة السكندرية
![أنوس صانع الفانوس](/themes/fagr/assets/images/no.jpg)
منذ أكثر من ألف عام، ارتبط الفانوس الرمضاني بشهر رمضان ليصبح رمزًا مميزًا له. كانت البداية في عام 358 هـ 969م، عندما دخل الخليفة المعز لدين الله الفاطمي القاهرة في ليلة الخامس من رمضان.
وخرج المصريون لاستقباله بالفوانيس المضاءة، لترشد طريقه، ولتتحول الفوانيس بعد ذلك إلى جزء لا يتجزأ من أجواء رمضان.
ومع تطور العصور، لم تعد الفوانيس مجرد وسيلة للإضاءة، بل أصبحت رمزًا للفرحة والتجمع العائلي، تتزين بها الشوارع والبيوت احتفالًا بالشهر الكريم.
ورغم انتشار الفوانيس الحديثة، لا تزال فوانيس الصاج التقليدية تحتفظ برونقها، خاصة في الإسكندرية، حيث يعيش محمد أنيس، المعروف بـ "أنوس"، آخر حُراس هذا الفن.
أنوس صانع الفانوس..الصاج في أزقة بحري
في أحد الأزقة الضيقة بالإسكندرية، حيث يلتقي عبق الماضي بواقع اليوم، يقبع دكان قديم مصنوع من الخشب العتيق، يديره محمد أنيس، أقدم صانع للفانوس الصاج في منطقة بحري والملقب بـ "أنوس صانع الفانوس"
ويقول أنوس، الذي يحمل في يديه خبرة خمسين عامًا' "المهنة دي في دمي، ماقدرش أسيبها، دي عادة قبل ما تكون شغلانة"
![](/Upload/libfiles/560/6/420.jpg)
وبدأ أنوس رحلته مع صناعة الفوانيس في سن العشرين، عندما تعلم الحرفة من أقاربه ومن صناع الفانوس القدامى في بحري، واليوم، وقد بلغ السبعين، لا يزال يعمل بجد في دكانه، وسط مخاوف أهل المنطقة من أن تتوقف هذه الحرفة وتختفي معها رمزية الفانوس الإسكندراني..
رحلة صناعة الفانوس الصاج
يكشف أنوس تفاصيل مراحل صناعة الفانوس، قائلًا إنه طوّر تصميماته لتناسب الزمن الحالي، “زمان كنا بنشتغل بالزجاج، بس كان بيتكسر بسهولة، لكن دلوقتي بنستخدم البلاستيك، عشان يطول مع الناس".
وتابع: يستغرق إعداد الفانوس الواحد نحو أربعة أيام من العمل الشاق، حيث تبدأ العملية بتقطيع البلاستيك، ثم تشكيله على هيئة صندوق مربع، وبعدها تأتي مرحلة التضفير والنقش، وصولًا إلى تركيب القبة النهائية التي تُضفي على الفانوس طابعه المميز.
فانوس "أبو العيال" ورمزية الفانوس الإسكندراني
ويتحدث أنوس بفخر عن فانوس "أبو العيال"، الذي يعتبره الأساس في هذه الحرفة، قائلًا إنه يتطلب جهدًا كبيرًا ولكنه يحافظ على روح الأصالة: "ده الفانوس اللي كل بيت بيحبه، حجمه وسط وسعره مناسب.
و أوضح "أنوس" أنه يبلغ سعر فانوس "أبو العيال" نحو 270 إلى 300 جنيه، بينما تتنوع الأسعار لباقي الأنواع مثل "الطبق" و"الرمانة".
ورغم الجهد الكبير، يعمل أنوس بمفرده دون مساعدة، ويحرص على أن تحمل كل قطعة من فوانيسه لمسة خاصة تميّزها عن غيرها.
أنوس: آخر الحُراس لفن الفانوس الصاج
بينما يجلس في دكانه القديم، محاطًا بأدواته وفوانيسه، يتحدث أنوس بشغف عن حبه لهذه المهنة التي أصبحت جزءًا من حياته. يقول: "الفانوس مش مجرد زينة، ده فرحة رمضان وأصل الحكاية وعادة جميلة نفسي متقفش."
وفي ختام حديثه، يأمل أنوس أن يستمر هذا الفن العريق، وأن يجد من يحمل الشعلة من بعده ليظل الفانوس الصاج الإسكندراني شاهدًا على جمال رمضان وأصالته، لا مجرد ذكرى تُروى عن زمن مضى.