د.مصطفى ثابت يكتب: قراءة في «المشهد الانتخابي» بعد قرار رئيس الجمهورية بإحالة النتائج للجنة العليا

د.مصطفى ثابت يكتب: قراءة في «المشهد الانتخابي» بعد قرار رئيس الجمهورية بإحالة النتائج للجنة العليا

مقالات الرأي

🖊️ بقلم - رئيس التحرير
🖊️ بقلم - رئيس التحرير د. مصطفي ثابت

على مدى الساعات الماضية، دخلت الساحة السياسية المصرية في واحدة من أكثر اللحظات حساسية منذ بدء العملية الانتخابية، وذلك بعد قرار رئيس الجمهورية بإحالة نتائج المرحلة إلى اللجنة العليا للانتخابات لمراجعتها واتخاذ ما يلزم، بما في ذلك إمكانية الإلغاء الجزئي أو الكامل. هذا القرار فتح الباب واسعًا أمام سيناريوهات متعددة، ورفع مستوى الترقب الشعبي إلى أعلى درجاته، خاصة مع موجة الغضب والرغبة الحقيقية لدى المواطنين في استعادة الثقة في مسار العملية الانتخابية.

أولًا: دلالات قرار الرئيس وإحالته الكاملة للجنة العليا

قرار التفويض الشامل للجنة، دون توجيه أو إطار ضيق، يعكس بوضوح رغبة الدولة في:

تنفيس الاحتقان الشعبي وإعادة ضبط الأجواء بعد حالة الغضب التي تفاقمت خلال اليومين الماضيين.

ضمان الشفافية والنزاهة عبر جهة تمتلك الولاية القانونية الحقيقية على العملية الانتخابية.

إرسال رسالة سياسية بأن المؤسسة التنفيذية ليست طرفًا في أزمة النتائج وأن الجهة المختصة وحدها هي التي ستُعلن الكلمة النهائية.

هذه الرسالة مهمة في توقيت حساس، وتمنح اللجنة العليا مساحة واسعة لاتخاذ القرار الذي يحقق الاستقرار.

ثانيًا: المزاج الشعبي وتأثيره على المشهد

لم تشهد مواقع التواصل الاجتماعي منذ سنوات حالة الغضب هذه تجاه إدارة الانتخابات. المواطنون رسموا صورة واضحة: هناك أخطاء تنظيمية، وهناك شعور عام بأن العملية لم تكن بالسلاسة المتوقعة، وأن الإصلاح يجب أن يكون جذريًا وليس شكليًا.

المزاج العام الآن هو “إعادة البناء من البداية”، وليس مجرد “ترميم بعض الدوائر”. وهذا المزاج هو ما جعل فكرة الإلغاء الكامل مطروحة بقوة وقابلة للتنفيذ سياسيًا وقانونيًا.

ثالثًا: السيناريوهات المطروحة بعد قرار الإحالة

من قراءة المشهد، هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسية، يختلف وزن كل منها في ميزان الاحتمالات.

1. السيناريو الأقرب: إلغاء المرحلة بالكامل وإعادتها لاحقًا

يعد هذا السيناريو الأكثر منطقية من الناحية السياسية والتنظيمية، لعدة أسباب:
• امتصاص الغضب الشعبي بصورة كاملة وليس جزئية.
• وجود تصريح مباشر من الرئيس بأن الإلغاء الكامل وارد.
• إدراك مؤسسات الدولة أن إعادة العملية من جديد هو الحل الأكثر أمانًا لتجنب صدام اجتماعي أو حالة فقدان ثقة.
• صعوبة تمرير نتائج غير محل إجماع، في ظل حالة الاستنفار الرقمية والإعلامية.

الإلغاء الكامل يسمح بإعادة تشكيل المشهد:
• زيادة عدد اللجان.
• تحسين إجراءات الدخول والتصويت.
• وضع ضمانات رقابية أكبر.
• إعادة جدولة زمنية أكثر واقعية.

2. السيناريو الثاني: إلغاء بعض الدوائر فقط

هذا السيناريو أقل ترجيحًا، لكنه يظل مطروحًا إذا اتجهت اللجنة إلى معالجة محددة لمناطق شهدت توترات أو أخطاء واضحة.
لكن مشكلته أنه:
• لن يُرضي الشارع.
• سيظهر القرار على أنه “علاج تجميلي” وليس حلًا جذريًا.
• لن يحقق الهدف الأساسي: إعادة بناء الثقة.

3. السيناريو الأضعف: إعلان النتائج كما هي

هذا السيناريو يكاد يكون غير واقعي في اللحظة الراهنة:
• الأجواء العامة لا تسمح.
• استمرار الغضب يجعل تمرير النتائج صعبًا.
• تصريحات الرئيس نفسها فتحت الباب للإلغاء بدلًا من تثبيت الوضع القائم.

رابعًا: ماذا يعني كل هذا لمستقبل العملية الانتخابية؟

مهما كان القرار النهائي الذي ستعلنه اللجنة، فإن هناك حقائق ثابتة أصبحت واضحة:

إدارة الانتخابات تحتاج إعادة ضبط كاملة تتناسب مع حجم المشاركة والظروف التنظيمية على الأرض.

المواطن المصري أصبح أكثر وعيًا ومتابعة وتفاعلًا، ولم يعد يتقبل أي إخفاقات تنظيمية بصمت.

النظام السياسي نفسه بدت لديه رغبة في تهدئة المشهد وإعادة بناء الثقة بدلًا من الدخول في مواجهة لا داعي لها.

خطاب الرئيس كان متعمدًا في فتح الباب لجميع الخيارات، في رسالة تؤكد أن الدولة ليست متشبثة بمسار واحد.

خامسًا: ما المتوقع خلال الساعات القادمة؟

وفق القراءة الحالية:
• ستنهي اللجنة العليا مراجعتها خلال 48–72 ساعة.
• المؤشرات كلها تميل نحو إلغاء المرحلة بالكامل وإعلان موعد جديد، مع إجراءات تنظيمية وضمانات رقابية أوضح.
• وسيتم طرح شكل جديد للعملية يحقق انسيابية أكبر ويعالج أزمات اليومين الماضيين.

خلاصة المشهد

نحن أمام نموذج واضح لإدارة أزمة انتخابية بشكل مرن وهادئ. الدولة اختارت المسار الذي يجنّبها التصعيد، ويحافظ على الاستقرار، ويعيد الثقة للشارع. وفي اللحظات التي تشتد فيها الضبابية، يصبح القرار السياسي الأذكى هو إعادة التشغيل لا الاستمرار.

وفي كل الأحوال، فإن الساعات القادمة ستكون فاصلة… أما القرار النهائي، فستحمله اللجنة العليا للانتخابات، لكنه بات أقرب ما يكون إلى إعادة المرحلة بالكامل، تمهيدًا لبدء صفحة جديدة أكثر تنظيمًا ووضوحًا.

للمزيد من مقالات رئيس التحرير: اضغط هنا