دلالات التوقيت والمضمون..
د.مصطفي ثابت يكتب: خطاب استثنائي.. لغة غير مسبوقة من الرئيس السيسي في «مؤتمر المياه»

في خضم الأحداث المتلاحقة التي تشهدها المنطقة، مرّت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي في افتتاح «أسبوع القاهرة الثامن للمياه» مرورًا عابرًا على الإعلام المحلي، رغم أنها حملت بين سطورها واحدة من أقوى الرسائل السياسية واللغوية التي صدرت عن الدولة المصرية منذ اندلاع أزمة سد النهضة قبل سنوات.
كانت اللغة مختلفة، المصطلحات أكثر حدة، والرسائل أكثر وضوحًا: مصر رسمت خطوطها الحمراء بعبارات لا تحتمل التأويل.
لغة غير مسبوقة في الخطاب الرسمي المصري
منذ بداية الأزمة، حافظت القاهرة على نهج دبلوماسي متزن قائم على الدعوة للحوار والتمسك بالقانون الدولي، لكن الرئيس السيسي في كلمته الأخيرة استخدم لغة تؤكد أن مرحلة الصبر الدبلوماسي الطويل قد بلغت نهايتها.
حين قال الرئيس بوضوح إن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام النهج غير المسؤول لإثيوبيا، كان يُرسل رسالة للعالم بأن أمن مصر المائي ليس ملفًا تفاوضيًا بل قضية وجودية تتعلق بحياة أكثر من مائة مليون مواطن يعتمدون على نهر النيل كمصدر وحيد للمياه.
لم تكن الكلمات مجرد وصف لواقع، بل إعلان مبدئي بأن حدود الأمن القومي المصري تمتد حتى منبع النهر.
الإعلام المصري.. غياب التحليل رغم وضوح الرسائل
المفارقة أن كثيرًا من وسائل الإعلام المحلية مرّت على الكلمة مرور الكرام، واكتفت بالعناوين التقليدية عن “التعاون” و”أسبوع المياه”، متجاهلة اللغة القوية التي استخدمها الرئيس للمرة الأولى منذ بدء الأزمة.
لم تُبرز الصحف أو البرامج حجم التحوّل في نغمة الخطاب، ولم تُحلّل مدلول العبارات التي تعني عمليًا أن مصر قد انتقلت من مرحلة التحذير إلى مرحلة تحديد الخيارات.
في وقت تتلاحق فيه الأزمات الإقليمية والدولية، كان من المتوقع أن تحظى كلمة الرئيس بتغطية استثنائية، خصوصًا أنها تحمل دلالات استراتيجية في توقيت بالغ الحساسية.
دلالات التوقيت والمضمون
اختيار الرئيس توجيه هذا الخطاب خلال مؤتمر دولي عن المياه لم يكن صدفة. فالكلمة وُجّهت إلى جمهور عالمي من وزراء وخبراء ومسؤولين أمميين، ما يجعلها رسالة موجهة ليس فقط إلى إثيوبيا، بل إلى المجتمع الدولي بأسره:
مصر لا تطلب العدل فحسب، بل تُحذّر من أن تجاهل العدالة المائية سيقود إلى عدم استقرار إقليمي.
حين قال الرئيس إن «مصر اختارت طريق الحوار لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي»، فقد وضع النقطة الأخيرة في جملة طويلة من الصبر الدبلوماسي، وأعاد التأكيد على أن القاهرة تمتلك من الوسائل ما يحمي أمنها القومي إذا اقتضى الأمر.
لغة الخطاب السياسي المصري تتطور
ما ميّز الكلمة ليس فقط مضمونها، بل أسلوبها.
لأول مرة يستخدم الرئيس تعبيرات تحمل نغمة حازمة ووجيزة، خالية من التلميح، ومليئة بالمفردات الاستراتيجية: النهج غير المسؤول، الإدارة غير المنضبطة للسد، التدابير لحماية الأمن المائي.
هذه المصطلحات لا تصدر عبثًا، بل تعكس مرحلة جديدة من اللغة الدبلوماسية المصرية؛ لغة تُوازن بين التهذيب السياسي والصرامة الاستراتيجية.
الرسالة الأوسع: لا مساس بحقوق مصر المائية
في النهاية، الكلمة لم تكن موجهة فقط لإثيوبيا، بل للعالم أجمع.
فالقاهرة، التي خاضت حرب أكتوبر دفاعًا عن الكرامة الوطنية، تُعلن اليوم أن معركة المياه لا تقل قداسة.
مصر لا تهدد، لكنها تُذكّر الجميع أن سياساتها لا تُدار بالانفعال، بل بالعقل.. وأن صبرها الطويل ليس ضعفًا، بل قوة واثقة تعرف متى تتكلم وأين تضع النقطة الأخيرة في السطر.
خلاصة القول:
خطاب الرئيس السيسي في مؤتمر المياه لم يكن مجرد كلمة افتتاحية، بل كان بيانًا سياسيًا متكاملًا بلغة جديدة تُعيد تعريف معادلة القوة في ملف المياه.
ربما لم يُدرك الإعلام بعد حجم التحوّل الذي عكسته الكلمة، لكن التاريخ سيذكر أنها كانت اللحظة التي قال فيها الرئيس بوضوح غير مسبوق إن مصر لن تسمح لأحد بالعبث بمستقبلها المائي أو بسيادتها الوطنية.
تابع أحدث مقالات رئيس التحرير.. اضغط هــــــــــــــــــــــــــنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا الآن