أبطال القاذفات المصرية.. شرارة النصر التي سبقت أكتوبر
لم تكن حرب أكتوبر المجيدة هي اللحظة الأولى لانتصار الجيش المصري، بل سبقتها عواصف من البطولات خلال حرب الاستنزاف، التي جاءت ردًّا عمليًا على نكسة 1967، وأعادت الثقة والعزيمة لجنودنا البواسل.

فقد أثبت أبطال القوات الجوية المصرية شجاعتهم النادرة في تنفيذ عمليات نوعية أربكت العدو الإسرائيلي، وأكدت أن الجيش المصري لا يُهزم، بل ينهض أقوى من كل انكسار.

من النكسة إلى النصر.. عودة الروح للجنود المصرية
ولم تكن تلك السنوات مجرد إعداد عسكري، بل كانت رحلة استعادة الروح وفي هذا السياق، يقول العقيد السكندري عبد الحميد سلامة، أحد ضباط القوات الجوية الفنية الذين خدموا منذ ما بعد النكسة وحتى نصر أكتوبر، لـ 'الفجر" إن كل طلعة وكل تجربة في تلك الفترة كانت معركة لاستعادة الثقة، وإعادة بناء جيش يعرف هدفه.

وقد لعبت القاذفات والمقاتلات المصرية دورًا محوريًا في تلك المرحلة، إذ نفذت عمليات جوية جريئة ضد مواقع العدو، ما جعلها تُسجل في التاريخ كصفحات ناصعة، وإن لم تُوثّق بعد بالشكل الكافي.

رجال الظل.. الفنيون أبطال خلف الكواليس
ولم يقتصر النصر على الطيارين فحسب، بل كان لكل فني ومهندس جوي دور حاسم في الإعداد لكل معركة وهنا يؤكد العقيد حسنين علي حسنين، بورسعيدي الأصل ويعيش في الإسكندرية، وهو ضابط فني جوي، أن كل قطعة في الطائرة كانت تُفحص بعناية كأنها حياة، لأن أي خطأ يعني خسارة روح وكانت تلك روح الجماعة والانضباط التي مهدت لعبور القوات البرية خط بارليف فيما بعد.
انطلاق الحرب من قاعدة إنشاص الجوية
ويروي العقيد عبد الحميد سلامة بداية حرب 73 كنت في قاعدة إنشاص الجوية بلواء جوي 203، بالسرب 56 مقاتلات، وكان يقوده البطل المقدم مصطفى حافظ وجمعنا قبل المعركة بساعة وقال بثقة: اللي بتحلموا بيه هيحصل، اجهزوا للعمليات.

ويكمل العقيد حسنين علي حسنين قائلًا: كانت فرحتنا لا توصف في تلك اللحظة... أدركنا أننا أمام اللحظة التي انتظرناها منذ سنين.

ويضيف عبد الحميد سلامة قبلها بأيام قال لي المهندس المشرف: شكلها يا عبد الحميد المعركة الفاصلة، وقد كان، بمجرد فتح مخازن الذخيرة، تأكدنا أنها الحرب الحقيقية، لا مجرد اشتباك عابر.
ويتابع: بدأت الحرب بإقلاع أكثر من 40 طائرة في وقت واحد، وانضمت إلينا أسراب أخرى من قواعد مختلفة، شكلنا وقتها تشكيلًا جويًا موحدًا عرف كل سرب مهامه بدقة.

مهام السرب 56.. ضربات ساحقة للعدو
ويتحدث سلامة بفخر: كانت مهامنا قذف قاعدتي صواريخ هوك من أصل 10 قواعد إسرائيلية، وتدمير مطار بئر تمادة، وضرب نقاط حصينة في شرق بور فؤاد، إضافة إلى مساندة الجيش الثاني الميداني وتدمير الجسر الذي عبرت منه قوات الثغرة، تمت كل العمليات بنجاح ساحق، وكانت لحظة لا تُنسى من عمر. الوطن.

تضحيات لا تُنسى.. من قاعدة أبو حماد
واستطرد: في اليوم الثامن من الحرب، انتقلنا إلى قاعدة أبو حماد الجوية لتعويض ضربة جوية أُلغيت في اليوم الأول، بعد أن نفذت القاذفات المصرية مهامها بنسبة 95% وهناك، كما يروي، حدث الهجوم الأعنف من العدو الإسرائيلي، الذي استخدم قنابل "بن" المحرّمة دوليًا وهي نفس النوع الذي يستخدمه الاحتلال اليوم في غزة.

ويقول سلامة: كانت لحظة قاسية، والدشم تتساقط، والزملاء يُستشهدون. أصابت إحدى القنابل الدشمة التي كنت بها، لكن العقيد حسنين قاد معدة "زيتور "واقتحم النيران لينقذني".
ويقول حسنين عن تلك اللحظة: كانت الروح غير روح الشباب دلوقتي... كنا بنجري للنار مش منها، لأن اللي بينقذ زميله بينقذ نفسه.
ويرد سلامة بفخر: الاستشهاد كان فخرًا لينا، مش خوف. كنا شايفينه كرامة الجندي المصري".
روح ناصر.. والعقل وراء النصر
ويؤكد عبد الحميد سلامة أن حبهم للرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان دافعًا قويًا، قائلًا: ناصر لم يكن مجرد قائد، بل رمزًا يُزرع فينا حرب أكتوبر بالنسبة لي كانت نتاج عمل من روائع العقل جاءنا بعلمًا ولم نجِئه ارتجالًا تم الإعداد لها بشكل غير مسبوق، وكل فرد كان يعلم مسؤوليته بدقة، بدءًا من القوات البحرية وحتى آخر جندي على الجبهة.

السادات.. القائد الذي اتخذ القرار
ويقول العقيد حسنين علي حسنين: كان قرار الحرب قرار شجاع، والسادات امتلك الجرأة إنه يترجم تعب السنين لنصر حقيقي ويضيف عبد الحميد سلامة
ناصر أعاد بناء الجيش، والسادات أطلق قدرته الكامنة في لحظة عبور صنعت مجد الأمة.

الختام.. عهد ووفاء
ويختم العقيد سلامة حديثه قائلًا: حرب أكتوبر ستظل أعظم معاركنا، هي الحرب التي أعادت لنا الكرامة والعزة، ولن تتكرر، لكننا نعلّم أبناءنا وأحفادنا أن يحافظوا على الوطن بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، فمهما تغير الزمن يبقى العدو متربصًا، وتبقى الثقة في الذئاب المصرية لا تنكسر".








