مؤمن الجندي يكتب: مناظرات فايق فوق البركان

بينما يعزف إبراهيم فايق على أوتار الإبداع، مُقدمًا لنا "فورماتًا تلفزيونيًا" يتبنى روح التجديد، نجد أنفسنا نقف على أعتاب مفارقة مؤلمة.. فبينما تستهوينا الأفكار الجديدة، ويجذبنا التغيير، تلوح في الأفق سحابة سوداء تنذر بعاصفة من التعصب، تتهدد القيم التي لطالما اعتبرناها أساس الرياضة.
لقد تماهيت مع فقرة المناظرات بين الأهلاوي والزمالكاوي، وشاهدت بشغف حواراتهم.. لكن مع مرور الضيوف، وتوالي الأفكار، لمست شيئًا يغلي تحت السطح.
لمستُ شررًا يتطاير، وتعصبًا يتنامى، ولسانًا حتى لو ينطق بمنطق كل مشجع.. تلك الفقرة، بكل أسف، لا تناسب هذا الجيل من المشجعين، جيل يتربص بضغطة زر ليطلق سهام تعصبه في كل اتجاه.
ألم نُدرك بعد أن الرياضة ليست مجرد صراع على البساط الأخضر؟ ألم نتعلم أن الأخلاق هي البطولة الحقيقية؟ أنظروا إلى زيارة الأسطورة محمود الخطيب للأسطورة حسن شحاتة في المستشفى.. ذاك المشهد، يا سادة، هو الدرس الأبلغ، هو القيمة الأسمى، إنه دليل على أن الرياضة تجمع، لا تفرق؛ توحد، لا تبعد. إنه تذكير لنا بأننا، في نهاية المطاف، بشر، نتشارك الإنسانية قبل أن نتقاسم الانتماء.
لكن ما نراه في التعليقات، تلك الشرايين المتدفقة عبر السوشيال ميديا، يبعث على القلق.. نرى سيل التعصب يتدفق، يكتسح كل ما أمامه، يلوث ساحة النقاش، ويقتل روح الرياضة الحقيقية.. وتحولت الفقرة إلى ساحة حرب لا بد فيها من فائز! فبعد المناظرة رأيت بعيني على السوشيال ميديا كراهية تتنامى، تنغرس في أعماق القلوب، وتزرع بذور الشقاق.
صديقي العزيز، هذه ليست مجرد مشكلة سطحية.. إنها كارثة كامنة قد تشتعل في أي لحظة.. كارثة قد تتغذى على عوامل أخرى، مثل التحريض الإعلامي، والتعصب القبلي، والضغوط الاجتماعية.. وكما حذرت من سنوات قبل حادث استاد بورسعيد الشهير، وكتبت قبلها بـ24 ساعة أحذر من مجزرة مستخدمًا نفس اللفظ.. ها أنا أحذر اليوم.
لذلك، أُطلق صرختي في هذا الوادي المظلم: أرجوكم، الحقونا!
علينا أن نتكاتف، أن نعيد الأمور إلى نصابها.. علينا أن نعلم أجيالنا القادمة معنى الروح الرياضية الحقيقية.. علينا أن نغرس فيهم قيمة الاحترام، والتعاطف، والتسامح. علينا أن نُعلي من شأن الأخلاق، وأن نُبعدهم عن كل ما يثير العنف والكراهية.. وأعلم أن هذا لن يأت بـ "التريند والترافيك" ولكنه صدقوني أمن قومي لبلدنا مصر الحبيبة.
دعونا نُحيي روح المنافسة الشريفة، ونُبدع في تشجيع فرقنا، لكن دون المساس بالآخرين.. دعونا نُظهر للعالم أن الرياضة يمكن أن تكون مصدر إلهام، ومصدر قوة، ومصدر وحدة.
فهل من مُجيب؟ هل من صوت يعلو فوق ضجيج التعصب؟ هل من يد تمتد لإنقاذ ما تبقى من قيمنا؟
أنا أنتظر.. وبشدة.