مؤمن الجندي يكتب: مشروع أبو ريدة وركام المصالح

الفجر الرياضي

بوابة الفجر

لم يكن إخفاق منتخب مصر للشباب الأخير مجرد عثرة عابرة أو نتيجة مباراة يمكن تجاوزها بالاعتذار أو إقالة مدرب.. الحقيقة أعمق وأخطر، ما حدث هو مرآة صافية تكشف حجم الأزمة التي تلتهم جذور كرة القدم المصرية من الداخل.

لسنا أمام خطأ فردي يُختزل في اسم مدرب، ولا أمام سوء توفيق يمكن تبريره بالحظ.  نحن أمام انهيار منظومة، هشَّت مع الزمن، وتهالكت بفعل الإهمال، حتى باتت غير قادرة على أن تُخرج لنا موهبة حقيقية أو جيلًا يحمل أحلام الجماهير.

لقد حذرنا مرارًا أن المستقبل سيكون مظلمًا على صعيد الناشئين والشباب، وها نحن نرى العتمة تُخيم، ونشعر ببرودتها الثقيلة.

كنا نظن أن المواهب ستظل تنبت كما اعتدنا، لكننا لم ندرك أن التربة نفسها جُرِّفت، وأن النبع جف بعدما صار الاستثمار الأعمى هو القاعدة، والكفاءة هي الاستثناء.. ولو تتذكر صديقي القارئ مقالي الشهير عن هذه النقطة بعنوان "شخلل عشان تلعب"، فمن وجهة نظري لا مواهب بهذه الطريقة.

أي عبث هذا الذي يجعل من "قطاع الناشئين" مشروعًا استثماريًا؟ أي منطق يفرض أن يدفع الأب آلاف الجنيهات ليشتري مكانًا لابنه في فريق ناشئين، ثم يفرض النادي على من يريد اللعب أن يدفع أرقامًا فلكية كي يُسجَّل ويُشارك؟

هكذا تتحول المستطيلات الخضراء من ساحات للعرق والحلم، إلى أسواق تُباع فيها الفرص وتُشترى بالمال.

التاريخ الكروي يخبرنا أن 90% من الأساطير الذين حملوا المستديرة فوق أكتافهم، خرجوا من الأحياء الشعبية، من الشوارع الترابية، من العائلات البسيطة التي لم تملك سوى قوت يومها.. كان الفقر هو المعمل الحقيقي لصناعة الموهبة، وكان الكفاح هو الطريق الوحيد إلى المجد.

واليوم، بكل قسوة، أُغلقت الأبواب في وجوه هؤلاء، وصار الصوت مسموعًا فقط لمن يملك المال لا لمن يملك الموهبة.

وفي المقابل، ننظر إلى المغرب فنجد "أكاديمية محمد الخامس" مثالًا حيًا على الرؤية والاستثمار الصحيح في الأجيال.. هناك تُصنع الأحلام بوعي، بينما هنا تُدفن تحت ركام البيروقراطية والمصالح الضيقة.

إن الإصلاح لم يعد ترفًا ولا شعارًا يُرفع في المؤتمرات.. الإصلاح ضرورة حياة أو موت للكرة المصرية.. وهنا يأتي الدور المنتظر من المهندس هاني أبو ريدة، بصفته أحد أعمدة اللعبة في مصر، كي يضع خطة عاجلة وجذرية تعيد بناء منظومة الناشئين والشباب من الأساس.. نحن بحاجة إلى مشروع حقيقي لا إلى أوهام ورقية.. مشروع يعيد الاعتبار للموهبة، ويفتح أبواب الملاعب أمام أولاد البسطاء، ويمنح الحلم لمن يستحقه لا لمن يشتريه.

إن كرة القدم ليست مجرد لعبة.. هي هوية وذاكرة وملاذ أخير للفرح في قلوب ملايين المصريين.. وإذا تركناها تُدار بهذا العبث، فسنجد أنفسنا أمام أجيال بلا موهبة، وملاعب بلا روح، وجماهير بلا أمل.

فلنرفع الصوت عاليًا كفى بيعًا للوهم، كفى متاجرةً بالأحلام.. أنقذوا المستقبل قبل أن نصحو على حقيقة لا تُحتمل.. كرة القدم المصرية فقدت سرها إلى الأبد.

للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا