صواريخ ودبابات بولندية في مرمى التساؤلات.. وارسو بين تعزيز القوة العسكرية وحقيقة الخسائر أمام روسيا
أثارت سلسلة الحوادث الأخيرة على الحدود البولندية الأوكرانية تساؤلات حول فعالية التسليحات البولندية ومدى استعداد وارسو لمواجهة التهديدات الروسية. من حادث صاروخ "إف-16" في لوبلين إلى فشل دبابات PT-91 أمام المعدات الروسية، تبدو بولندا اليوم في مفترق طرق بين طموحاتها لتطوير أقوى جيش في أوروبا وواقع التحديات العسكرية على الأرض.
هذه الأحداث تفتح النقاش حول سبب تمسك بولندا بتوسيع ترسانتها العسكرية منذ أغسطس 2023، في ظل دعم أمريكي وناتو مستمر، وما إذا كانت الخطط الاستراتيجية تتماشى مع القدرات الفعلية للجيش البولندي.
جريدة الفجر تلقي ضوءها على طرف ليس بصديق جيِّد للعاصمة موسكو في إطار الحرب الروسية الأوكرانية، وهي بولندا، وهي الدولة الأوروبية الأوسطية، والتي تشتهر بطبيعتها المتنوعة التي تضم شواطئ بحر البلطيق والجبال والبحيرات، والتي تعد عاصمتها مركزًا لتأسيس حلف وارسو المُنحلَّ، منذ ما يقرُب من 34 عامًا، الذي كان ضامَّا لعدد من الدول الشيوعية الأوروبية، فترة الخمسينات، والتي كان من أشهر أعضاءها الاتحاد السوفيتي، وبلغاريا، وبولندا بالطبع.
وارسو تكشف ملابسات حادث
أكدت السلطات البولندية أن الحادث الذي وقع في إقليم لوبلين شرق البلاد لم يكن نتيجة هجوم بطائرة مسيّرة كما أُعلن في البداية، بل نجم عن صاروخ أُطلق من مقاتلة بولندية من طراز "إف-16" خلال عملية اعتراض طائرات مسيّرة. وأوضح وزير الدولة البولندي، توماش سيمونياك، أن الجيش سيُتحمل مسؤولية تعويض الأضرار التي لحقت بالمنزل، مشيرًا إلى أن التحقيقات مستمرة لدراسة حطام الصاروخ والطائرات المسيّرة للتأكد من كل التفاصيل.

في ساحة الأمم المتحدة.. روسيا غير متورطة بالأغلبية
أرسلت بولندا نائب وزير خارجيتها إلى مجلس الأمن الدولي لعرض صور قالت إنها لطائرات مسيّرة روسية أُسقطت وأخرى تظهر أضرارًا في سقف أحد المنازل، معتبرة ذلك دليلًا على تورط موسكو، فيما رأى مراقبون روس أن هذه الخطوة تهدف لتصعيد الموقف وتدويل الأزمة، ونفى المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا صحة المزاعم مؤكدًا أن سقوط سقف منزل لا يشكل دليلًا كافيًا على انفجار رأس حربي؛ ورغم أن البيان الأممي الذي اتهم روسيا حظي بتأييد 46 دولة فقط من أصل نحو 200، واعترف بولندا بعدم العثور على أي رؤوس حربية على أراضيها، واصلت وارسو وحلف الناتو تحميل موسكو المسؤولية، ما يعكس استمرار التوتر السياسي والعسكري واستغلال الأزمة كورقة ضغط دولية أكثر من كونها واقعة مثبتة بالأدلة.
دون دليل حتى اللحظة.. روسيا في دائرة الاتهام البولندي
في سياق متصل، صرّح رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك، أن 19 طائرة مسيّرة عبرت الأجواء البولندية وشكلت خطرًا محتملًا، متهمًا روسيا بالمسؤولية دون تقديم أدلة ملموسة، ما دفع الخارجية البولندية لاستدعاء القائم بالأعمال الروسي في وارسو لإيضاح الموقف. من جهتها، نفت موسكو أي استهداف لمواقع داخل بولندا، مؤكدة أن عملياتها الأخيرة اقتصرت على منشآت عسكرية أوكرانية، وأبدت استعدادها لإجراء مشاورات مع الجانب البولندي حول الحادث.
ويأتي هذا الحادث في سياق سلسلة من الحوادث السابقة على الحدود البولندية الأوكرانية، حيث تم توجيه اتهامات سابقة لموسكو بانتهاك المجال الجوي البولندي، إلا أن التحقيقات أظهرت لاحقًا أن بعض الحوادث كانت ناجمة عن صواريخ أوكرانية، مثل حادث "إس-300" في عام 2022 الذي أدى لمقتل شخصين. وتوضح هذه الوقائع تعقيد الوضع الأمني على الحدود الشرقية لبولندا وضرورة التحقيق الدقيق قبل إصدار أي اتهامات.
ما الأمر.. مشكلة في السلاح البولندي أم تلويح روسي؟
منذ أربعة أيام، كشف الجيش الروسي عن فشل دبابات PT-91 البولندية التي زودت بها أوكرانيا، حيث أشار مسؤول روسي إلى أن هذه الدبابات لا تتحمل إصابة مباشرة واحدة من الدبابات الروسية الحديثة وتشتعل فورًا، مما يضطر الطاقم إلى مغادرتها بسرعة. وأوضح قائد دبابة روسي باسم حركي "النائب / ديبوتات" أن قذيفة حرارية تراكمية واحدة كفيلة بتدمير الدبابة بالكامل، رغم الترويج لها سابقًا على أنها من بين أكثر الدبابات تطورًا.
وكانت بولندا قد أرسلت مئات الدبابات من طراز PT-91 إلى أوكرانيا ضمن دعمها العسكري لكييف، في محاولة لتعويض الخسائر الكبيرة التي تكبدها الجيش الأوكراني، كما انضمت بولندا إلى التحالف الذي أنشأته لاتفيا لتزويد كييف بآلاف الطائرات المسيّرة الجديدة. في المقابل، وجهت موسكو تحذيرات إلى دول حلف الناتو بشأن إمدادات الأسلحة لأوكرانيا، حيث أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن أي شحنة أسلحة ستصبح هدفًا مشروعًا للقوات الروسية، محذرًا من أن إمداد كييف بالأسلحة يمثل "اللعب بالنار"، ما يثير تساؤلات حول فعالية الأسلحة البولندية وقدرتها على الصمود أمام المعدات الروسية الحديثة في ظل استمرار الحرب وارتفاع حجم الخسائر على الأرض.
منذ عامين.. حلم بناء أقوى جيش بري في أوروبا
في أغسطس 2023، كشفت تقارير عن سعي بولندا لبناء أقوى جيش بري في أوروبا، من خلال رفع ميزانيتها الدفاعية بشكل كبير وشراء أسلحة ضخمة ومتطورة من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. شملت هذه المشتريات مقاتلات إف-35، دبابات أبرامز، دبابات K2 Black Panther، مدافع هاوتزر، وأنظمة دفاع جوي مثل باتريوت، ضمن خطة تهدف إلى زيادة قدرة الجيش البولندي على مواجهة أي تهديد محتمل على حدودها الشرقية، خاصة مع الحرب الجارية في أوكرانيا.

أظهرت التحليلات حينها أن بولندا تعتبر هذه التسليحات جزءًا من استراتيجيتها لدعم أوكرانيا عسكريًا عبر تزويدها بدبابات ومقاتلات وأسلحة متطورة بالتعاون مع حلف الناتو، بهدف حماية حدودها وتعزيز نفوذها الإقليمي وربما المشاركة في إعادة تشكيل النفوذ في أوكرانيا الغربية، مع الحفاظ على دعم الحلف في أي مواجهة محتملة مع روسيا، ورغم هذا التوسع العسكري الكبير، حافظت بولندا على الهدوء وعدم الانخراط المباشر في صراع، مكتفية بوضع قواتها في حالة تأهب قصوى على الحدود، في محاولة لتحقيق توازن بين تعزيز قوتها العسكرية وتهدئة المخاطر مع روسيا، مستفيدة من دعم واشنطن والناتو، بينما تستمر في بناء جيش يُعد من الأكثر تجهيزًا وعددًا في أوروبا الوسطى وفق الخطط المعلنة حتى عام 2035.
توضح هذه الوقائع أن بولندا تسعى لتحقيق توازن دقيق بين تعزيز قدرتها العسكرية وحماية حدودها، مع الحرص على عدم الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع روسيا. وبينما يواصل الجيش البولندي تحديث أسلحته وزيادة قدراته، تبقى التساؤلات قائمة حول مدى قدرة هذه المعدات على الصمود في حرب واقعية، ما يضع وارسو أمام اختبار حقيقي بين الطموحات العسكرية والاستجابة للتهديدات على الأرض، وتساؤل أهم حول صناع القرار في موسكو نحو أوكرانيا وأوروبا: "هل روسيا على استعداد أن تواجه حربًا متعددة الاتجاهات؟".