المارد النووي بين الماضي والحاضر.. هل يدفع نهج ترامب الحلفاء نحو التسلح النووي؟

مع تصاعد المخاوف النووية في المشهد العالمي الحالي، تعود إلى الأذهان حقبة السبعينيات، عندما أثارت سياسات الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون تساؤلات حول التزامات واشنطن الأمنية تجاه حلفائها، ما دفع بعض الدول إلى التفكير جديًا في امتلاك أسلحة نووية.
واليوم، في ظل سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تتسم بالتقارب مع روسيا والتخلي عن بعض الحلفاء التقليديين، تتزايد المخاوف من أن يعيد التاريخ نفسه، مما قد يدفع بعض الدول إلى البحث عن خيارات نووية مستقلة.
مخاوف متزايدة وتحركات مثيرة للقلق
شهدت الأسابيع الأخيرة تصاعدًا في الحديث عن الانتشار النووي، خاصة في أوروبا وآسيا، حيث بدأ بعض الحلفاء الأمريكيين في دراسة إمكانية امتلاك أسلحة نووية كخيار استراتيجي لتعويض أي تراجع محتمل في الضمانات الأمنية الأمريكية.
فقد اقترح رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك، أن تدرس بلاده إمكانية امتلاك أسلحة نووية، بينما أثار المستشار الألماني القادم، فريدريش ميرز، فكرة استضافة أسلحة نووية فرنسية أو بريطانية لتعزيز الردع الدفاعي الأوروبي.
وفي كوريا الجنوبية، لا يزال الجدل قائمًا حول جدوى تطوير ترسانة نووية مستقلة، في ظل حالة عدم اليقين بشأن الالتزامات الأمريكية تجاه سيؤول.
مبدأ نيكسون وانعكاساته
في عام 1969، أعلن نيكسون عن "مبدأ نيكسون"، الذي نص على أن الولايات المتحدة لن تتحمل العبء الأكبر في الدفاع التقليدي عن حلفائها الآسيويين، بل ينبغي عليهم تحمل مسؤولية أمنهم بأنفسهم.
وقد ترافق ذلك مع انسحاب أمريكي تدريجي من بعض المناطق، مما أثار مخاوف عميقة لدى حلفاء مثل كوريا الجنوبية وتايوان، ودفعهم إلى التفكير في امتلاك برامج نووية خاصة بهم.
ففي تايوان، تزايدت الجهود لتطوير برنامج نووي بعد امتلاك الصين للسلاح النووي عام 1964، فيما بدأت كوريا الجنوبية أيضًا خطوات مماثلة، مدفوعة بشكوكها حول استمرار المظلة الأمنية الأمريكية.
ولكن هذه النزعات النووية جُوبهت بضغط أمريكي مكثف، حيث فرضت واشنطن عقوبات على سيؤول وأجبرتها على التخلي عن برنامجها النووي، كما مارست ضغوطًا دبلوماسية على تايوان لوقف تطلعاتها النووية.
هل يعيد ترامب السيناريو مجددًا؟
إذا واصل ترامب نهجه في تقليص الالتزامات الأمنية الأمريكية، فقد تجد بعض الدول نفسها أمام خيار تطوير قدراتها النووية لتعويض الفراغ الأمني.
وتشير "فورين بوليسي" إلى أن الوضع الحالي قد يكون أكثر تعقيدًا من فترة نيكسون، نظرًا لطبيعة السياسة غير المتوقعة التي ينتهجها ترامب، والتي تشمل الحلفاء والخصوم على حد سواء.
لكن على الجانب الآخر، فإن نظام منع الانتشار النووي اليوم أقوى وأكثر صلابة مما كان عليه في السبعينيات، مما قد يحد من قدرة الحلفاء على اتخاذ قرارات أحادية بشأن امتلاك أسلحة نووية.
علاوة على ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تملك أدوات ضغط اقتصادية وعسكرية يمكن أن تستخدمها لإثناء حلفائها عن التوجه نحو التسليح النووي، كما فعلت في الماضي مع تايوان وكوريا الجنوبية.
ما الذي يحمله المستقبل؟
إذا واصلت إدارة ترامب الإشارة إلى عدم ممانعتها امتلاك بعض الحلفاء للأسلحة النووية، أو إذا انسحبت كليًا من بعض التحالفات، فقد نشهد تحركات حقيقية نحو الانتشار النووي في بعض الدول، وهو سيناريو قد يفرض تحديات استراتيجية خطيرة على الولايات المتحدة وحلفائها على المدى الطويل.
في النهاية، قد يكون على الإدارات الأمريكية المقبلة مواجهة تبعات هذه السياسة، تمامًا كما فعل خلفاء نيكسون قبل عقود، عندما اضطروا إلى التعامل مع إرث من التوترات النووية الناشئة بسبب تغييرات مفاجئة في الاستراتيجية الأمريكية.