لماذا عادت إسرائيل إلى الحرب على غزة؟

عادت الحرب على قطاع غزة إلى الواجهة مجددًا، وسط تصعيد عسكري إسرائيلي غير مسبوق، يرافقه تطورات سياسية وأمنية معقدة على المستويين الإقليمي والدولي.
وبينما تروج حكومة بنيامين نتنياهو لأن العمليات العسكرية تهدف إلى استعادة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية، يرى محللون أن هذا التبرير لا يعكس حقيقة الأهداف الكامنة وراء استئناف العدوان، والذي يبدو مرتبطًا بشكل وثيق بالأزمة الداخلية في إسرائيل، والتحولات الجيوسياسية في المنطقة، فضلًا عن الدعم الدولي الذي يتيح استمرار الحرب دون رادع.
أزمة داخلية تضغط على نتنياهو لتصعيد المواجهة
يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه في مواجهة ضغوط سياسية داخلية غير مسبوقة، حيث يواجه تحديات كبيرة تهدد استقرار حكومته، من بينها الاحتجاجات المتصاعدة ضده في تل أبيب، والتي تطالب بإنهاء الحرب وإيجاد حلول دبلوماسية لاستعادة الأسرى، فضلًا عن تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.
كما يواجه نتنياهو تحديًا آخر يتعلق بموعد إقرار الميزانية العامة، ما يجعله مضطرًا إلى تعزيز تحالفاته مع أحزاب اليمين المتطرف لضمان دعمهم، وهو ما يدفعه إلى اتخاذ خطوات تصعيدية ضد غزة لإعادة توحيد الرأي العام الإسرائيلي خلف حكومته، في محاولة لصرف الأنظار عن الإخفاقات الداخلية.
الحرب كأداة ضغط على المقاومة الفلسطينية
تستخدم الحكومة الإسرائيلية التصعيد العسكري كوسيلة ضغط على المقاومة الفلسطينية في غزة، بغية دفعها إلى تقديم تنازلات في ملف الأسرى دون الحاجة إلى الدخول في المرحلة الثانية من الصفقة التي تم التفاوض عليها سابقًا.
ومع ذلك، يشير محللون إلى أن الغارات الجوية المكثفة لم تحقق هذا الهدف حتى الآن، حيث أظهرت المقاومة تماسكًا ورفضًا لأي ضغوط إسرائيلية قد تؤثر على شروط التفاوض.
تحولات إقليمية قد تؤثر على معادلة الصراع
تزامن العدوان الإسرائيلي على غزة مع تطورات إقليمية لافتة، من بينها الهجوم الأمريكي البريطاني على اليمن، والذي قد يكون جزءًا من ترتيبات أوسع لإعادة تشكيل التوازنات السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط. ويرى مراقبون أن التصعيد الإسرائيلي لا يقتصر على محاولة استعادة الأسرى، بل يتعداه إلى تغيير جيوسياسي أعمق، قد يشمل إحداث تحول ديموغرافي في غزة ضمن مشروع إقليمي أوسع يعرف بـ "الشرق الأوسط الجديد".
انتهاكات إسرائيلية للقوانين الدولية وسط غياب المحاسبة
يؤكد خبراء في القانون الدولي أن إسرائيل تستخدم ذرائع واهية لتبرير عملياتها العسكرية، متجاهلة القوانين والمواثيق الدولية التي تحظر استهداف المدنيين والمرافق الحيوية.
وتشير التقارير الحقوقية إلى أن القصف الإسرائيلي العشوائي على المناطق السكنية في غزة يمثل انتهاكًا صارخًا لمبدأ التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية، كما يتعارض مع مبدأ التناسب الذي يحظر الهجمات التي تتسبب في خسائر بشرية مفرطة.
ويؤكد الخبراء أن العقاب الجماعي الذي تمارسه إسرائيل بحق سكان غزة محظور قانونيًا، ويعد ضمن جرائم الحرب التي تستوجب ملاحقة دولية، إلا أن الدعم الأمريكي الواضح، وحالة التراخي الدولي والعجز العربي، تتيح لإسرائيل الاستمرار في عملياتها دون خوف من أي عواقب قانونية أو سياسية.
إلى أين تتجه الأوضاع؟
مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، ومع تصاعد حدة المواجهات بين الجيش الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، يبقى التساؤل قائمًا حول مستقبل هذا الصراع وما إذا كانت المعادلة ستتغير يومًا لصالح الفلسطينيين، أم أن سياسة الاحتلال والقمع ستظل مستمرة في ظل غياب تحركات دولية حقيقية تضع حدًا لهذا النزاع الممتد لعقود.