سوريا على صفيح ساخن.. تصاعد العنف والانقسامات وسط غياب الحلول السياسية (خبراء)

تقارير وحوارات

سوريا- الفجر
سوريا- الفجر

 

تعيش سوريا مرحلة جديدة من التصعيد والتوتر، حيث تزداد الأوضاع تعقيدًا على المستويين الأمني والاقتصادي، في ظل استقطاب سياسي حاد بين الإدارة الجديدة وخصومها.

وبينما تتواصل العمليات العسكرية في الساحل السوري، تشهد مناطق أخرى اضطرابات أمنية وتوترات طائفية، مما يثير مخاوف من انزلاق البلاد نحو مزيد من الفوضى.

أزمة اقتصادية تعمّق المعاناة

 

حذر الدكتور وصف ملحم، مدير مركز "جي إس إم" للدراسات، من خطورة التدهور الاقتصادي الذي ساهم في تأجيج الغضب الشعبي. وأوضح أن الإدارة الجديدة تعهدت بزيادة رواتب الموظفين بنسبة 400%، إلا أن هذه الوعود لم تتحقق، مما أثار إحباطًا واسعًا بين المواطنين، لا سيما في ظل فصل أعداد كبيرة من العاملين دون تقديم أي بدائل.

وأضاف ملحم، في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن الأموال المودعة في المصرف المركزي لم تُستخدم لتحسين أوضاع المواطنين، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة، وهو ما يزيد من حالة الاحتقان الاجتماعي.

وتابع قائلًا: "على الصعيد الأمني، تشهد عدة مناطق حملات اعتقال ومداهمات مكثفة تحت ذريعة ملاحقة من تصفهم السلطات بـ'فلول النظام'، إلا أن هذه العمليات، وفقًا لمصادر محلية، تفتقر إلى قوائم اسمية دقيقة، مما أدى إلى وقوع اعتقالات تعسفية طالت حتى الأطفال وطلاب الجامعات".

وأشار ملحم إلى أن مناطق مثل فاحل في ريف حمص، وعين الشمس في ريف حماة، والدعتور في ريف اللاذقية تعرضت لاقتحامات عنيفة، تخللها انتهاكات جسيمة، شملت اعتداءات جسدية وقتل عشوائي وخطف، الأمر الذي يعمّق الانقسامات داخل المجتمع السوري.

تصاعد العنف في الساحل السوري

بدوره، قال هاني الجمل، المتخصص في الشؤون الدولية، إن الأحداث الأخيرة في الساحل السوري تعكس تدهور الوضع الأمني، مشيرًا إلى أن المواجهات الأخيرة هناك أسفرت عن مقتل ما يقرب من 220 شخصًا، بينهم 93 من قوات الأمن، فيما ينتمي البقية إلى مجموعات مسلحة معارضة.

وأضاف الجمل، في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن الاقتتال الدائر في هذه المنطقة يعيد إلى الأذهان النزاعات العنيفة التي شهدتها البلاد في السنوات الماضية، ويؤكد هشاشة الوضع الأمني والانقسام الحاد بين مختلف القوى على الأرض.

دعوات للنفير وتصاعد القتال

 

وكشف ملحم عن تصاعد دعوات النفير العام في عدة مناطق، من بينها حماة، حمص، إدلب، وحلب، حيث شهدت بعض المساجد خطبًا تدعو إلى القتال، مما أدى إلى تدفق آلاف المسلحين نحو الساحل السوري، مجهزين بأسلحة ثقيلة مثل الدبابات وراجمات الصواريخ.

وقال ملحم: "هذا التصعيد العسكري يهدد بانفجار الوضع بشكل أوسع، مما قد يؤدي إلى موجات جديدة من العنف ونزوح المزيد من السكان، في ظل غياب أي بوادر لحلول سياسية حقيقية".

استهداف المدنيين ومخاوف من التطهير العرقي

 

فيما تتواصل العمليات العسكرية، تشير تقارير حقوقية إلى وقوع مجازر بحق المدنيين، لا سيما في مناطق الساحل السوري، حيث يُتهم أطراف الصراع باستهداف الطائفة العلوية بشكل خاص.

وأكد الجمل أن "في بانياس، أُبلغ عن قصف منازل العلويين بالقنابل، فضلًا عن عمليات خطف واسعة استهدفت النساء والفتيات، حيث نُقل بعضهن إلى إدلب في ظروف غير إنسانية، ما يثير مخاوف من تصاعد العنف الطائفي".

التدخلات الخارجية واحتمالات التقسيم

وفي سياق متصل، أوضح الجمل أن التدخلات الخارجية تزيد المشهد السوري تعقيدًا، حيث تلعب أطراف دولية، مثل الولايات المتحدة، إسرائيل، وتركيا، أدوارًا متزايدة في الصراع، بينما تعمل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على تعزيز سيطرتها في بعض المناطق.

وأضاف أن "هذا الصراع على النفوذ داخل سوريا قد يؤدي في النهاية إلى تقسيم البلاد إلى كيانات منفصلة، خاصة مع تزايد النزاعات الفئوية والطائفية".

إلى أين تتجه سوريا؟

في ظل هذه التطورات المتسارعة، يرى الدكتور وصف ملحم أن البلاد تمر بمرحلة حرجة، مشيرًا إلى أن التصعيد الأمني والعسكري يهدد بإفشال أي جهود لتحقيق الاستقرار.

واختتم تصريحه قائلًا: "بدلًا من التركيز على المصالحة الوطنية وإعادة الإعمار، يبدو أن سوريا تتجه نحو مزيد من الفوضى، مما يجعل مستقبلها أكثر ضبابية، في ظل استمرار الصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية".

ويبقى السؤال المطروح: هل يمكن لسوريا أن تتجاوز هذه المرحلة الحرجة، أم أن الصراعات المستمرة ستدفعها نحو التفكك النهائي؟