غزة لولا مصر

منذ اندلاع أحداث "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، وقفت مصر كحصن منيع يدعم قطاع غزة سياسيا وإنسانيا، ويرفض أي مخططات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير أهلها.
ولم تكن جهود مصر مجرد ردود أفعال عابرة، بل كانت استراتيجية محكمة تعكس التزامها التاريخي بحقوق الشعب الفلسطيني، وتأكيدها أن غزة جزء لا يتجزأ من القضية الفلسطينية.
خاضت القاهرة المعترك السياسي بكل حنكة وضبط نفس ولعبت دورا محوريا في تحشيد المجتمع الدولي لإظهار مساوئ الاحتلال الإسرائيلي، وكشف الجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين في غزة.
ومن خلال منابرها الدبلوماسية، في كل الدول والمؤسسات الدولية، سلطت الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية، ودفعت باتجاه إدانة دولية للاحتلال.
ووحدت الجهود العربية والدولية لوقف العدوان، ودعت إلى ضرورة إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
على الأرض، قدمت دعما لوجستيا وإنسانيا غير مسبوق لقطاع غزة، وفتحت معبر رفح بشكل جزئي لتمرير المساعدات الطبية والغذائية، وأرسلت قوافل إغاثة لإنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة عن الفلسطينيين تجاوز حجمها أكثر من 85% من حجم المساعدات التي دخلت القطاع، فلولاها لما دخلت نقطة ماء واحدة، ما ينفي أكذوبة الاحتلال وداعميه بأن القاهرة أغلقت المعابر وهي من تحاصر الغزيين.
والنقطة الأهم المدعاة للفخر لكل مصري، وكل عربي وكل مسلم، رفض القيادة السياسية -بشكل حاد وقاطع لا مواربة فيه- لأي محاولات لتهجير سكان غزة، مدعومة في ذلك بتأييد شعبي جارف، والتشديد المستمر على ضرورة إعادة الإعمار بمشاركة أهلها الأصليين، وليس على حساب وجودهم.
ولم تكتف بذلك بل كانت القاهرة، سباقة في تقديم خطة إجهاض المقترحات الصهيونية ومن خلفها توجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لإخلاء سكان القطاع، وإعادة إعماره في صورة منتجعات سياحية فارهة، مع عدم السماح للسكان بالعودة، وهو ما صرح به ساكن البيت الأبيض، منذ فوزه على سلفه المنقضية ولايته جو بايدن، بأن الولايات المتحدة ستمتلك قطاع غزة، ولن يعود أهله إليه.
مصر وبقيادتها السياسية والأمنية، سارعت لإعداد خطة لوأد التهجير توازيا مع عملية إعادة إعمار غزة، لتؤكد هذا الموقف الثابت، وأعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي، رؤية واضحة لإعادة بناء القطاع دون تهجير سكانه، وحظيت هذه الرؤية بدعم عربي واسع.
التوجه المصري سواء على المستوى السياسي أو اللوجستي، جاء انطلاقا من إدراك الدولة المصرية، أن أي إعمار لغزة دون أهلها يعني تنفيذ مخططات التهجير التي تهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين، وهو ما يرفضه الشعب المصري بكل أطيافه رفضا نهائيا.
وحاليا تقود مصر مفاوضات شاقة لاستكمال اتفاق وقف النار، التي كان لها دور كبير جدا في دخوله حيز التنفيذ منذ نحو شهر، وتسعى جاهدة للضغط على الاحتلال الذي يتنصل كعادته من التزاماته، ويريد رئيس وزراء تل أبيب نتنياهو، إلغاء الاتفاق واستئناف الحرب لتحقيق مصالحه ومصالح حزبه، على حساب جثث المدنيين العزل الذين عانوا ويعانون وسيعانون ويلات تلك الحرب الشعواء.