أحمد عبد الوهاب يكتب: عائشة ميران نموذج رائد لتمكين المرأة العربية في القيادة

مقالات الرأي

أحمد عبد الوهاب
أحمد عبد الوهاب

تابعتُ باهتمام مقالًا على موقع فوربس الشرق الأوسط حول أقوى 20 سيدة عربية في المناصب القيادية بالمؤسسات الحكومية (باستثناء المناصب الوزارية والبرلمانية). وقد تصدرت الإمارات القائمة بـ 11 اسمًا بارزًا، من بينهن سعادة عائشة ميران، المدير العام لهيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي.
أسعدني هذا الخبر كثيرًا، إذ إنني، بحكم عملي في قطاع التعليم الخاص في دبي، على دراية بجهودها الكبيرة في تطوير العملية التعليمية. كما كان لي شرف لقائها في عدة مؤتمرات وزيارات مدرسية، حيث لمستُ عن قُرب مهاراتها القيادية وسماتها الإنسانية في التعامل مع الطلاب والمعلمين.
ولأن جزءًا من رسالتي هو نقل الخبرات المهنية بين الإمارات ومصر وسائر الدول العربية، أكتب هذا المقال لنشر الفائدة والإضاءة على النماذج القيادية الملهمة في عالمنا العربي.

مسيرة قيادية مليئة بالإنجازات

تُعد عائشة ميران إحدى القيادات النسائية الشابة البارزة في الإمارات، حيث تتولى مسؤولية التعليم الخاص في دبي، الذي يشمل قرابة 230 مدرسة خاصة ويستقبل قرابة 387،500 طالب وطالبة. لم يكن اختيارها لهذا المنصب مصادفة، بل جاء نتيجة إنجازات أكاديمية وخبرات عملية استثنائية امتدت لأكثر من 22 عامًا من العمل الدؤوب.
حصلت ميران على ماجستير في إدارة الأعمال من الجامعة الأمريكية في الشارقة، ودبلوم تنفيذي في الإدارة العامة من الجامعة الوطنية في سنغافورة، وهي أيضًا خريجة مدرسة محمد بن راشد لإعداد القادة. ومن خلال عملها في المجلس التنفيذي لإمارة دبي، لعبت دورًا محوريًا في تطوير مبادرات استراتيجية هامة عززت مكانة دبي عالميًا.  هنا أهمس في أذن كل مخلص:
إن القادة المتميزين لا يظهرون بالصدفة، بل من خلال التأهيل، والعمل الجاد، لصقل موهبتهم، وهو ما يتطلب العمل على بناء القادة منذ مراحل الدراسة مبكرًا.

القيادة في مجال التعليم

في عام 2024، تولّت عائشة ميران قيادة هيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي، الجهة المسؤولة عن قطاع التعليم الخاص في الإمارة. وتؤمن ميران بأن ما يميز هذا القطاع هو التنوع، والمرونة، والجودة العالية، وهو ما تسعى لتعزيزه من خلال تنفيذ استراتيجية التعليم في دبي 2033.
تركّز هذه الاستراتيجية على تمكين جميع الطلاب من الحصول على تعليم عالي الجودة، وإحداث نقلة نوعية في النظام التعليمي عبر 28 مبادرة رئيسية تشمل جميع المراحل الدراسية. كما تعزز مبدأ التعليم مدى الحياة، وتدعم الشراكة الفعالة مع أولياء الأمور، بما يتماشى مع رؤية الإمارات لبناء اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار.

بناء شراكات لتمكين الطلاب وتعزيز جودة التعليم

تؤمن سعادة ميران برؤية الإمارات بأن التعليم هو المحرك الأساسي لصنع مستقبل مستدام. وخلال مشاركتها في منتدى "شباب من أجل الاستدامة" بمركز أبوظبي الوطني للمعارض، شددت على أهمية تمكين الشباب، مؤكدة التزام دبي بالابتكار والتنمية المستدامة لضمان تكافؤ الفرص لجميع الطلاب.
وفي هذا الإطار، حرصت عائشة ميران على بناء شراكات استراتيجية مع مؤسسات تعليمية داخلية وخارجية، لتوفير بيئة داعمة للطلاب. وقد انعكس ذلك في مبادرات بارزة، مثل تقديم خدمات متميزة للطلبة المبتعثين ضمن برنامج حمدان بن محمد للابتعاث الخارجي، واستقطاب مؤسسات تعليمية مرموقة لتعزيز مكانة دبي كمركز تعليمي عالمي.

الاهتمام بالطلاب: دعم نفسي، وبدني، وأكاديمي

يتضح من متابعة أنشطة سعادة عائشة ميران وفريق الهيئة أن العلاقة الإنسانية بالطلاب من المحاور ذات الأهمية، حيث تحرص على بناء علاقات ناجحة على المستويين الأكاديمي والإنساني، مع توفير بيئة داعمة لأصحاب الهمم. كما يشكل دمج التكنولوجيا في التعليم ودعم التعلم الفردي جزءًا رئيسيًا من استراتيجيات الهيئة. وإيمانًا بأهمية رفاهية الطلاب الشاملة، تولي ميران وفريق الهيئة اهتمامًا خاصًا بالصحة النفسية والبدنية للطلاب، من خلال برامج مثل "تحدي دبي للياقة"، التي تشجع على تعزيز اللياقة البدنية والتوازن النفسي داخل المدارس، إلى جانب تعزيز الوعي النفسي عبر ورش العمل وبرامج التوعية المستمرة. 

تعزيز الثقافة العربية والإسلامية في بيئة متعددة الثقافات

تولي عائشة ميران أهمية خاصة لدعم التنوع الثقافي في بيئة تعليمية متعددة الجنسيات مثل دبي، حيث يسود مناخ من التسامح والانفتاح على مختلف الثقافات المعتدلة. إلا أن العولمة تفرض تحديات تتعلق بالحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيز الثقافة العربية والإسلامية، ما جعل تشجيع الطلاب على استخدام اللغة العربية جزءًا أساسيًا من استراتيجيات الهيئة.

لا زلت أتذكر كلماتها الملهمة لطلابنا خلال زيارتها لمدرستنا:
"كونوا فخورين بلغتنا العربية، وبثقافاتنا، وبتراثنا."
وانطلاقًا من هذا التوجه، حرصت الهيئة بقيادة ميران على بناء شراكات ثقافية استراتيجية، كان من أبرزها التعاون مع دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري، ما أتاح لأكثر من 4000 طالب في دبي المشاركة في أنشطة ثقافية وتفاعلية تهدف إلى تعزيز ارتباطهم بلغتهم وهويتهم الوطنية، والتعريف بالموروث العربي والشعبي الإماراتي ومن أبرز هذه المبادرات: برنامج "أجيال"،و "حضانة الفريج" بالإضافة للمسابقات  الدينية "القرآن الكريم والحديث" ومسابقات الشعر والكتابة لتعزيز الهوية الوطنية من خلال الأدب. يعكس هذا النهج التزام ميران العميق بحماية اللغة العربية وترسيخ الهوية الثقافية، مع تعزيز قيم التسامح والانفتاح على العالم، لضمان توازن بين التقدم الحضاري والتمسك بالجذور الثقافية.
الحوار والتعاون مع المجتمع التعليمي
قادت سعادة عائشة ميران حملة "#المعرفة_تستمع"، وهي مبادرة نوعية تهدف إلى تعزيز التواصل بين هيئة المعرفة والمجتمع التعليمي بكل اتجاهاته، والاستفادة من الخبرات والتجارب المتنوعة "من على أرض الواقع" لتطوير قطاع التعليم في دبي. شهدت الحملة أكثر من 50 جلسة حوارية، جمعت 700 من الخبراء والتربويين، إلى جانب 290 مؤسسة تعليمية، مما أتاح فرصة حقيقية لاستطلاع آراء المعنيين بالتعليم، والاستماع إلى مقترحاتهم وتحدياتهم، بما يسهم في رسم سياسات تعليمية أكثر استجابة للاحتياجات الفعلية للمجتمع المدرسي.

دعم المعلمين ومديري المدارس

تتابع عائشة ميران وفريقها التحديات التي تؤثر على أداء المعلمين في المدارس من خلال الاستبيانات وزيارات التفتيش، وذلك للوقوف على أهم التحديات التي يواجهونها. هي تؤمن بأن تمكين الطلاب يبدأ من خلال معلمين متميزين.
في هذا السياق، لا زلتُ أتذكر حديثها الملهم في مؤتمر اللغة العربية والتربية الإسلامية بدبي كولج، حين تحدثت عن الأثر العميق للمعلمين في حياتها، مشيرةً إلى أنها لا تزال تستحضر معلمتها في طفولتها ودورها في تشكيل وعيها وتعزيز حبها للمعرفة. وأضافت أن المعلمين هم العمود الفقري للعملية التعليمية، وأنهم مفتاح تطوير الطلاب. هذا الموقف يعكس تقدير سعادة ميران العميق لدور المعلم في بناء الأجيال القادمة.

نموذج ناجح لتمكين المرأة العربية

تمثل مسيرة عائشة ميران نموذجًا ملهمًا في تمكين المرأة في مجال القيادة. فهي تجسد التزام الإمارات بتوفير فرص متساوية للمرأة في جميع المجالات، مما يمنح النساء في المنطقة العربية دافعًا قويًا لتحقيق النجاح في ميادين القيادة والتعليم. إن استمرار جهودها وفريقها سيسهم في تعزيز مكانة دبي كمركز تعليمي عالمي، ويؤكد أن التعليم هو السلاح الأقوى لتمكين الأجيال القادمة.
 

رسالة شكر لكل امرأة

إن نجاح عائشة ميران وكل القيادات النسائية العربية هو رسالة شكر لكل امرأة في موقعها، على العزيمة والإصرار اللذين تبذلهما يومًا بعد يوم في بناء مجتمعها وعائلتها وعالمها. أنتِ مصدر قوة وابتكار وإبداع، وجسر أمل للمستقبل