سقوط أسطورة إجرامية في قلب الجنوب

على "أيدي البلاك كوبرا".. سقوط "خط الصعيد الجديد" بعد ملحمة بطولية

تقارير وحوارات

سقوط خط الصعيد الجديد
سقوط "خط الصعيد الجديد" بعد ملحمة بطولية

ينشأ الإجرام في أجواء يُخال لها بأنَّها بيئة مناسبة له، وظاهرة ما يُعرف بـ “خط الصعيد” بدت فكرة مغرية للكثير من المخرجين والمؤلفين، حيث تبارى فنانو السنيما قديمًا وحديثًا على تقديم تلك الشخصية الشرسة، وتأطيرها بأطر سوسيولوجية  “مجتمعية”، وسيكولوجية نفسية، داخل المجتمع الجنوبي بأسلوب مثير

لكنه في الواقع وفي قلب الصعيد كاد يستفحل شرَّه، إن لم يستفحل بالفعل. 44 جناية بين قتل وسرقة بالإكراه، وإتجار بالمخدرات، وترويع للأهالي، كانت جميعها كفيلة أن تصنع أسطورة شرسة تخضع لها رقاب الضعاف، إنَّه محمد محسوب إبراهيم، خط الصعيد الجديد الموضع اسمه على قائمة أخطر المطلوبين أمنيًا.

صورة لـ “محمد محسوب إبراهيم”
صورة لـ “محمد محسوب إبراهيم”

معركة لا تنسى في قلب الجنوب

في واحدة من أعنف المواجهات الأمنية بصعيد مصر، وضعت الأجهزة الأمنية حدًا لعصابة محمد محسوب، المعروف بـ "خط الصعيد الجديد"، بعد ملحمة استمرت 60 ساعة متواصلة تحت زخات الرصاص وأصوات الانفجارات. هذه العملية أعادت للأذهان مواجهات تاريخية، كان أشهرها القضاء على عزت حنفي منذ 19 عامًا، مؤكدين أن العدالة لا تترك المجرمين طلقاء.

من هو "خط الصعيد الجديد"؟

محمد محسوب إبراهيم، أحد أخطر المطلوبين أمنيًا في صعيد مصر، والمتهم في 44 جناية تتراوح بين القتل، السرقة بالإكراه، الاتجار بالمخدرات، وترويع الأهالي. بلغ مجموع الأحكام الصادرة ضده 191 عامًا من السجن، ورغم ذلك ظل هاربًا من العدالة، محتميًا بتضاريس الجبال الصعبة، ومنشئًا معقلًا حصينًا في قرية العفادرة بمركز ساحل سليم بأسيوط، حيث تحصن بعناصر شديدة الخطورة مدججين بالأسلحة الثقيلة والخنادق المحصنة.

لم يكن محسوب مجرد زعيم عصابة، بل حول نفسه إلى أسطورة زائفة أرعبت الأهالي، وهدد بحرق القرية بالكامل، مستخدمًا إسطوانات الغاز والقنابل الحارقة ضد أي محاولة لاقتحام حصنه.

<strong alt=
محمد منصور، المعروف بـ "الخط الأصلي"

"خط الصعيد" في تاريخ الجريمة داخل الجنوب

لم يكن محسوب الأول من نوعه، فصعيد مصر عرف عبر التاريخ أساطير إجرامية مثل محمد منصور، المعروف بـ "الخط الأصلي"، الذي أرهب القرى الجنوبية في بداية القرن العشرين، وتحدى السلطات حتى لقي حتفه عام 1947. تكررت القصة لاحقًا مع عزت حنفي، الذي حول جزيرة النخيلة إلى إمبراطورية مخدرات قبل أن يسقط في حملة أمنية كبرى عام 2004. واليوم، جاء الدور على محمد محسوب، ليكون أحدث فصل في تاريخ الجريمة بالصعيد، ولكنه الفصل الأخير.

<span style=
"البلاك كوبرا".. فرقة النخبة التي لا تخسر

"البلاك كوبرا".. فرقة النخبة التي لا تخسر

أمام تعقيد العملية وخطورة المواجهة، قررت وزارة الداخلية إرسال وحدات "البلاك كوبرا"، وهي قوات النخبة التي تخضع لبرامج تدريبية استثنائية، وتُكلف فقط بأصعب المهام الأمنية. هذه الوحدة، المعروفة بسرعتها ودقتها، تمتلك تسليحًا متطورًا يمكنها من اقتحام أكثر المواقع تحصينًا والتعامل مع أخطر العناصر الإجرامية دون خسائر كبيرة في صفوفها.

دخل مقاتلو "البلاك كوبرا" المواجهة بخطة دقيقة، حيث تم تطويق المعقل بالكامل، وقطع كل طرق الهروب، بينما تولت وحدات أخرى تأمين المدنيين القريبين من موقع الاشتباك، لتجنب أي خسائر في صفوف الأهالي.

معركة الـ60 ساعة.. الرعب والنهاية المحتومة

بمجرد بدء الهجوم، بادر محسوب ورجاله بإطلاق النار بكثافة مستخدمين آر بي جي، قنابل يدوية، رشاشات متعددة الطلقات، وبنادق آلية. كما حاولوا تفجير إسطوانات الغاز لخلق موجة انفجارية تعيق تقدم القوات. لكن رجال "البلاك كوبرا"، بخبرتهم واحترافيتهم، واصلوا الاشتباك دون تراجع، حتى تمكنوا من اختراق دفاعات "خط الصعيد الجديد".

مع اقتراب القوات من قلب الموقع، أدرك محسوب ورجاله أنهم في اللحظات الأخيرة. حاول بعضهم الفرار، لكن النطاق الأمني كان محكمًا، فلم يكن هناك مفر. وفي النهاية، جاء الخبر الحاسم: "الخُط مات يا رجالة!"، لينهي بذلك حقبة أخرى من الإرهاب في صعيد مصر.

النتائج.. القضاء على بؤرة الرعب

أسفرت المواجهة الحاسمة عن مقتل محمد محسوب، زعيم العصابة المعروف بـ "خط الصعيد الجديد"، إلى جانب سبعة من أعوانه، بينهم ابنه وشقيقه، وذلك بعد معركة ضارية استمرت 60 ساعة متواصلة. وخلال العملية، أصيب أحد ضباط قطاع الأمن المركزي أثناء تبادل إطلاق النيران، فيما تمكنت القوات من فرض سيطرتها الكاملة على الموقع وإنهاء بؤرة الرعب التي أرّقت الأهالي لسنوات.

بيان الداخلية 

وعقب الاقتحام، عثرت القوات الأمنية على ترسانة ضخمة من الأسلحة الثقيلة، شملت 2 قاذف آر بي جي، و73 بندقية آلية، و11 بندقية خرطوش، و8 قنابل يدوية من طراز F1، إلى جانب آلاف الطلقات النارية من مختلف الأعيرة. كما تم ضبط كميات هائلة من المواد المخدرة، كانت العصابة تخطط لترويجها، مما يؤكد تورطها في أعمال الاتجار غير المشروع بالمخدرات والسلاح، إلى جانب سجلها الحافل بجرائم القتل والسرقة بالإكراه.

العدالة تأخذ مجراها.. رسالة قوية للمجرمين

بإعلان مقتل "خط الصعيد الجديد"، تنتهي أسطورة إجرامية جديدة، وتبعث وزارة الداخلية برسالة واضحة: لا أحد فوق القانون، ولا أحد يمكنه الإفلات من العدالة.

أهالي القرية، الذين عاشوا سنوات من الرعب والتهديدات، يستطيعون اليوم أن يناموا بسلام، بعد أن أزال رجال الأمن كابوسًا كان يجثم على صدورهم.

كما انتهى محمد منصور في الأربعينيات، وعزت حنفي في 2004، ها هو "خط الصعيد الجديد" يلقى نفس المصير، لتبقى الدولة المصرية الحصن الحصين ضد كل من يحاول ترويع مواطنيها؛ لتتبدَّد أسطورة إجرامية على أيادٍ مسؤوليتها خفط الأمن والسلم الداخلي في ربوع البلاد.