بعد انسحابه من القضية.. محامي سفاح الإسكندرية يكشف لـ "الفجر" تفاصيل سلسة الضحايا

محافظات

بوابة الفجر

بجوار محكمة الإسكندرية، وفي إحدى المقاهي الشعبية حيث تنبعث رائحة القهوة ممزوجة بدخان السجائر، وتتداخل أصوات الزبائن في ضجيج يعكس نبض المدينة، التقت "الفجر" بإسلام عاطف، المحامي الذي قرر الانسحاب من قضية "سفاح الإسكندرية"، تلك القضية التي تحولت إلى كابوس مرعب، وأصبحت حديث الساعة، مزلزلة الرأي العام ومشعلة نيران الجدل على منصات التواصل الاجتماعي.

ولم يكن الأمر مجرد ظهور قاتل متسلسل جديد، بل تجسيدًا لسيناريو مرعب أعاد إلى الأذهان قصص ريا وسكينة"، حيث دفن ضحاياه في منزله، متعايشًا مع رائحة الموت وكأنها جزء من يومياته المعتادة، دون أن يهتز له جفن أو يتسلل إليه أدنى شعور بالندم.. وكأن القتل صار طقسه اليومي، يمارسه ببرود قاتل لا يعرف الرحمة!

السفاح الذي لا يعرف الندم

حين التقينا بإسلام عاطف، كان الإرهاق قد نحت ملامحه بوضوح، عيناه غائرتان كمن هجره النوم لأيام، ويداه ترتجفان قليلًا وهو يشعل سيجارته، ثم أمسك بفنجان القهوة، ارتشف منه رشفة صغيرة، وكأنه يبحث عن طعم يبدد مرارة ما عاشه، تنهد ببطء، ثم قال بصوت خافت، لكنه مثقل بحمولة ثقيلة من الأحداث "48 ساعة لم يغمض لي جفن".. كنت في استجواب مع قاتل لا يتوقف عن الحديث، كأننا نحن من نحاول استيعاب فظاعته، بينما هو يسرد وقائع جرائمه ببرود غريب، وكأنه يتحدث عن تفاصيل يوم عادي في حياته.. لا ندم، لا تردد، فقط وصف دقيق، وكأنه يعيد تمثيل مشاهد محفورة في ذاكرته بكل وضوح.

بـكلمات خرجت متقطعة، وكأنها تحمل في طياتها صدى تلك الساعات الطويلة التي قضاها في مواجهة رجل لا يرى في القتل سوى فعل روتيني، كمن يمارس طقوسه اليومية بلا اكتراث!

شخصية مخيفة.. بين الذكاء الحاد وبرودة الدم

أول ما لفت انتباه المحامي إسلام عاطف في شخصية السفاح لم يكن ملامحه أو نبرة صوته، بل ذلك الهدوء الغريب الذي يحيط به كغلاف غير مرئي، برودة دم تثير القشعريرة، وكأنه مجرد مراقب محايد لجرائمه، وليس منفذها.

ويقول المحامي في البداية، "ظننته مختلًا نفسيًا، شخصًا فقد صلته بالواقع.. لكنني كنت مخطئًا تمامًا"، ويتابع حديثه وعيناه تعكسان الدهشة إنه شخص سوي، بل وذكي إلى حد يفوق التصور.. خريج كلية الشريعة والقانون بتقدير جيد جدًا، وهو تخصص صعب لا يجتازه سوى أصحاب العقول الحادة، هذا ليس مجرد قاتل تقليدي، بل رجل يمتلك ذكاءً يجعله قادرًا على التخطيط بدقة، والتنفيذ بدم بارد، دون أن يترك ثغرة واحدة وراءه.

لكن الصدمة الأكبر، كما يروي المحامي، لم تكن في مستوى تعليمه أو ذكائه، بل في انعدام أي شعور بالندم، لم يكن في صوته ذرة تردد، لم يرف له جفن وهو يحكي تفاصيل أفعاله المروعة، وكأن القتل بالنسبة له مجرد إجراء روتيني.. مهمة يؤديها بلا إحساس، ثم يكمل يومه وكأن شيئًا لم يكن.

الضحية الأولى.. بداية سلسلة الرعب

ويتابع المحامي إسلام عاطف سرد تفاصيل القصة، وكأن كلماته تحمل صدى جرائم ارتُكبت في ظلمة صامتة، بعيدًا عن أعين البشر "نصر الدين، أو ن. أ، رجل في الحادية والخمسين من عمره، ولد في كفر الشيخ، وعاش حياة لم تعرف الاستقرار يومًا، قطيعة تامة مع أشقائه الستة، سنوات من الترحال، ثم هجرة إلى السعودية بحثًا عن ثروة لم تدم طويلًا، فقد أصبح مليونيرًا لفترة وجيزة قبل أن ينتهي به المطاف مفلسًا بسبب خلافات مع كفيله، وعاد إلى الإسكندرية محطمًا، يحمل على كتفيه خيبة ثقيلة، لكن أحدًا لم يكن يعلم أن هذا الانكسار سيتحول إلى وحشية لا حدود لها.

وتوقف المحامي للحظة، شرد ببصره في الفراغ، ثم تابع بصوت يختلط فيه الغضب بالدهشة "كان متزوجًا عرفيًا من امرأة تُدعى منى، شابة تركت أهلها وهربت معه، ظنت أنها وجدت حب حياتها، لكنها لم تكن تعلم أنها ستكون أولى ضحاياه.. كانا في خلاف دائم، الغيرة كانت تشتعل بينهما، لكن في إحدى الليالي، تحولت الغيرة إلى لعنة، احتد النقاش، صرخات متبادلة، ثم انفجر عنفه فجأة.. ضربها بعنف، بلا توقف، وكأن الغضب تلبّسه، حتى سقطت أمامه بلا حراك، ولم يُظهر أي ندم، لم يصدمه المشهد.. فقط نظر إلى الجثة بعينين جامدتين، ثم قرر التخلص منها بطريقته، وببرود قاتل، جرّ الجثة ووضعها في تابوت داخل شقته، وكأنها مجرد قطعة أثاث مهملة، لمدة أسبوعان كاملان مرت والجثة في مكانها داخل التابوت، لا أنين، لا اعتراض، لا حركة.. فقط صمت الموت، بينما كان القاتل يواصل حياته كأن شيئًا لم يكن.

رحلة الدم من الطابية إلى المعمورة

وتابع المحامي أنه لم يكن مقتل "منى" سوى البداية، نقطة انطلاق لسلسلة من الجرائم التي بدت وكأنها خرجت من كابوس مظلم لا نهاية له، ويروي المحامي، بصوت يختلط فيه الذهول بالغضب، تفاصيل انتقال القاتل بجثة زوجته، قائلًا: بعد أن أزهق روحها، لم يبالِ بوجودها في شقته لأيام، لكن حين بدأ الجسد يتحلل، قرر نقلها، بهدوء مخيف، وكأنه ينقل قطعة أثاث قديمة، أخذ الجثة من شقته الأولى بمنطقة الطابية إلى مسرح الجريمة الذي كشف لاحقًا فصول رعب لم تخطر على بال أحد.. إلى شقة في المعمورة، حيث ستُدفن الأسرار وتتكشف الكوابيس، لكن مسلسل القتل لم يتوقف عند هذا الحد، فبعد فترة وجيزة، سقطت ضحية أخرى في قبضته، وهذه المرة لم تكن زوجة أو عاشقة، بل سيدة مسنة، تجاوزت الستين من عمرها، كانت تربطها به معاملات قانونية، خلاف حول أتعاب محاماة بدأ كنقاش عادي، لكنه سرعان ما تحول إلى مأساة جديدة.

واحتد النقاش بينهما، تصاعدت الأصوات، ثم انفجر غضبه بلا مقدمات.. لم يتردد لحظة، لم يحاول حتى تبرير ما فعله، ضربها بقسوة حتى سقطت جثة هامدة أمامه، لم يكن الأمر مجرد لحظة انفعال.. بل كان قرارًا، وكأن القتل صار بالنسبة له الحل الأسهل لكل خلاف، هكذا، دون ندم، دون تردد، أضاف القاتل ضحية جديدة إلى قائمته، ليؤكد أن ما بدأ كجريمة واحدة، لم يكن سوى فصل أول في سلسلة رعب لا تزال تفاصيلها تنكشف.


الغرفة المغلقة تفضح المستور

يبدو أن القاتل، رغم ذكائه الحاد، لم يستطع إخفاء رائحة الموت إلى الأبد، فكانت "نادية"، تلك الضحية غير المباشرة، هي مفتاح اللغز، والشرارة التي فجّرت الشكوك حوله، ويروي المحامي تفاصيل اللحظات التي بدأت فيها خيوط الحقيقة بالظهور، قائلا "سماح، موكلته، أحضرت له نادية لتقيم معه ثلاثة أيام بسبب ظروفها المادية الصعبة، لكنها لم تكن تعلم أن هذه الأيام القليلة ستكشف سرًا ظل مدفونًا لسنوات، نادية لاحظت أشياء غريبة منذ اللحظة الأولى وهي  ستة هواتف محمولة، جميعها تعمل على تشغيل القرآن الكريم دون توقف، وكأنه يحاول إخفاء شيء ما، إذا توقف أحدها، بادر فورًا إلى تشغيل الآخر، وكأن الصمت عدوه اللدود، لم يقتصر الأمر على ذلك، بل كان يستخدم البخور يوميًا بحجة وجود الحشرات في الشقة، ولكنها لا تعلم أن الرائحة التي كان يحاول طمسها هي رائحة الموت.

وتابع المحامي أن أكثر ما أثار شكوك نادية كان تلك الغرفة المغلقة، باب لم يُفتح أبدًا، وتحذير واضح من القاتل: "إياكِ أن تفتحيه"، ويسرد المحامي حكيه، مع زيادة نبرة صوته توترًا، ويشعل سيجارة أخرى، يأخذ نفسًا عميقًا، ثم يكمل“نادية لم تسكت.. شعرت أن الأمر يتجاوز مجرد تصرفات غريبة، فاستغلت غياب نصر الدين واستنجدت بسماح وصبحية، المساعدة الخاصة به، والتي رغم تعاونها معه لم تكن تعلم شيئًا عن جرائمه، لكن الشكوك كانت تساورها دائمًا، ومع تصاعد القلق، قرروا اتخاذ خطوة جريئة.. جلبوا ثلاثة رجال وهم علي، مصطفى، وإسلام، وقرروا مواجهة المجهول.

وبلحظة حاسمة، دفعوا باب الغرفة المغلقة بقوة، وما إن انفتح حتى ضربتهم رائحة كريهة لا يمكن وصفها، رائحة موت حُبس طويلًا خلف هذا الباب، ووسط ظلمة الغرفة، كانت الحفرة.. بوابة إلى عالمه الدموي، لم تكن مجرد حفرة، بل قبر جماعي، يختزن أسرارًا مرعبة، الجثث المدفونة هناك لم تكن مجرد ضحايا.. بل كانت شاهدة على وحشية لا تعرف الرحمة، وعلى سفاح ظن أن جرائمه ستظل طي النسيان.


لحظة سقوط السفاح

وعاد نصر الدين إلى شقته، غير مدرك أن سرّه الذي دفنه بعناية لسنوات قد انكشف، وأن الغرفة التي كانت حصنه الحصين أصبحت الآن مفتوحة على مصراعيها، تكشف عن ماضيه الدموي، وما إن دخل حتى وجدهم واقفين أمام الباب، وجوههم تحمل مزيجًا من الصدمة والاشمئزاز، بينما الرائحة الكريهة لا تزال تملأ المكان، كأنها تفضح ما حاول إخفاءه طويلًا، نظر إليهم بعصبية، محاولًا استعادة السيطرة على الموقف، وسأل بصوت مرتجف لكنه حاول إخفاء توتره "بتعملوا إيه في بيتي".

لكن الرد جاء ساخرًا، يحمل بين طياته اتهامًا واضحًا إيه اللي موجود في الغرفة دي؟"حاولوا الضغط عليه، وابتزازه بالمال مقابل الصمت، لكن ما حدث بعد ذلك كان صادمًا لهم جميعًا، لم ينكر، لم يتوسل، لم يحاول حتى الكذب.. بل قال بهدوء مذهل، وكأنه لم يعد يكترث بشيءأنا "مش هتكلم غير قدام الشرطة".

 وكأن اعترافه الضمني كان كافيًا ليتحول الموقف إلى نقطة اللاعودة، لحظتها فقط، أدرك الجميع أنهم ليسوا أمام رجل عادي، بل أمام قاتل بدم بارد، سفاح لم يكن يهاب شيئًا، حتى بعد أن انكشف أمره، ومن هنا، بدأت خيوط القصة تتكشف، وبدأت فصول الرعب تصل إلى نهايتها المحتومة.


لغز الأماكن التي احتضنت الموت

ويكمل المحامي حديثه، وكأن الكلمات تخنقه، والصور التي شاهدها خلال التحقيق لا تزال محفورة في ذاكرته، تطارده ككابوس لا نهاية له خلال التحقيق، "اكتشفنا أنه لم يكن مجرد قاتل يدفن ضحاياه في مكان واحد".. بل كان يتنقل كالشبح بين عشر شقق استأجرها في الإسكندرية خلال ثلاث سنوات، لم تكن مجرد مساكن، بل كانت مسارح محتملة لجرائم جديدة، صناديق سوداء احتضنت أسرارًا لم يكن لأحد أن يتخيلها، لكن الصدمة الأكبر كانت حين عُثر على إحدى الجثث في شقة بمنطقة العصافرة، جثة لرجل ستيني يُدعى “أ. م”، مهندس متغيب منذ عام 2022، ولم يكن مجرد مفقود، بل كانت رفاته مقطعة، محشوة داخل كيسين بلاستيكيين باللون الأصفر، كأنها نفايات تُركت للنسيان.

ويتابع المحامي أنه حين واجهته النيابة العامة بهذه الجريمة أنكر تمامًا علاقته بها، لم يرف له جفن، لم يظهر أي انفعال، وكأن الأمر لا يعنيه.. لكن كيف يُعثر على جثة في إحدى شققه دون أن يكون له يد فيها، بهذه الأسئلة التي لا تزال تبحث عن إجابة، يستمر التحقيق، وتستمر فصول الرعب في التكشف، ليكشف معها مدى وحشية سفاح لم يترك خلفه سوى الموت والصمت!.

المحامي يرفض الاستمرار.. حين يتحول الواجب إلى عبء لا يُحتمل

في اللحظة التي قرر فيها المحامي إسلام عاطف أن يتوقف عن متابعة القضية، كانت الكلمات التي خرجت منه ثقيلة، وكأن عبئًا ثقيلًا قد وُضع على قلبه، قائلا "كمحامٍ، واجبي هو الدفاع عن موكلي حتى تثبت إدانته، هذا هو ما تقتضيه مهنتي" لكن هذه القضية تختلف، لقد تجاوزت كل الحدود، تخطت ما هو منطقي أو مقبول،  بعد كل ما اكتشفته، من حجم الجرائم إلى بروده التام، وعدم شعوره بأي ندم، وانكاره لقتل م.ا ضحيته الأولى شعرت وكأنني أواجه نار جهنم بعينيّ، وكأنني أقف في قلب الجحيم مباشرة.

ووقف لحظة، وكأنه كان يحاول استجماع قواه قبل أن يكمل حديثه قائلا "قررت الانسحاب، ليس خوفًا، بل لأنه ببساطة لا أريد أن أكون شريكًا في هذه الكارثة، لا أستطيع أن أستمر في الدفاع عن شخص لا يشعر بأدنى مسؤولية عن أفعاله، شخص أصبح القتل بالنسبة له جزءًا من روتينه اليومي، وخصوصا أنه من المتوقع اكتشاف العديد من الضحايا بوجود أكتر من 15 شقة استاجرها خلال 3 سنوات ماضية في الإسكندرية وغيرها.

وأخر كلماته كانت.. "أنا أحترم من سيتولى القضية من بعدي، ولكن بالنسبة لي، هذه اللحظة هي نهاية دوري".