بين "الطعمية والشاورما ايد واحدة" وطيب إقامة

"لن ترحلوا قبل أن نعرف سر الثومية"... سوريون في مصر والأردن: من أزمات الحرب إلى ضحكات الإنترنت

منوعات

سوريون في مصر والأردن:
سوريون في مصر والأردن: من أزمات الحرب إلى ضحكات الإنترنت

في أعقاب سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي دام أكثر من أربعة عقود، استرجع المصريون والأردنيون ذكريات سنوات طويلة عاشها السوريون بينهم، ولكن هذه المرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، في شكل من أشكال الفكاهة الشعبية والمزاح الثقافي الذي يجسد التفاعل اليومي بين الناس. لم يكن السوريون في مصر والأردن مجرد ضيوف عابرين في بلدين جارين، بل أصبحوا جزءًا من النسيج الاجتماعي، لا سيما في مجالات مثل المأكولات والموسيقى، مما أثار مخاوف عن "مستقبل الشاورما والثومية" عند الحديث عن عودتهم إلى وطنهم بعد سنوات من الحرب واللجوء.

هذه السخرية الحادة التي أطلقها المصريون والأردنيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تعد تعبيرًا عن حالة من الاستفهام الجماعي حول مصير السوريين الذين ارتبطوا على مدار سنوات طويلة بالأماكن التي استضافتهم، وخصوصًا في مصر حيث أمضوا 13 عامًا منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011. عبر "فيسبوك" و"تويتر"، تناقل المصريون منشورات ساخرة تتساءل: "لن ترحلوا قبل أن نعرف سر الثومية". في وقت انشغل فيه الجميع بعد انهيار نظام الأسد بمستقبل السوريين، جاءت هذه النكات لتخلط بين السياسة والفكاهة، مما جعلها سمة بارزة في هذا الظرف التاريخي المليء بالتغيرات المفاجئة.

الطعمية والشاورما إيد واحدة

لكن هذا الظهور الساخر لا يقتصر على المصريين فقط، بل إن الأردنيين أيضًا شاركوا في التعبير عن قلقهم الفكاهي بشأن ما سيحدث إذا غادر السوريون. إذ نشروا مقاطع كوميدية متعلقة بالهمسات التي تدور حول "الشاورما الشامية" و"الثومية"، وهي من أشهر الأطباق التي ارتبطت بالمطبخ السوري وأصبحت تحظى بشعبية كبيرة في البلدين، ما يعكس جانبًا غير تقليدي من العلاقة بين الشعبين السوري والمضيف.

على الرغم من هذه الفكاهة، فإن الوضع الاجتماعي للسوريين في مصر والأردن أكثر تعقيدًا بكثير من مجرد النكات. فبعد 13 عامًا من الوجود في مصر، شهدت هذه الفترة تحولًا في حياة العديد من السوريين الذين هربوا من الحروب والدمار. هذا الوجود السوري في القاهرة والمدن المصرية الأخرى ترافق مع موجات من التوترات السياسية في ظل حكم بشار الأسد، وهو ما جعل كثيرين من السوريين يتأقلمون مع الواقع الجديد، متحدين الصعوبات المعيشية على الأراضي المصرية.

كوميديا التفاؤل بمستقبل مأمول 

لكن الكوميديا لم تكن مجرد وسيلة للتسلية، بل كانت تعبيرًا عن حالة من التفاؤل المشوب بالحزن لدى الكثيرين من المصريين والأردنيين، الذين تعاملوا مع السوريين على أنهم جزء من المجتمع، ولهم أثر بالغ على ثقافة الطعام والفن واللغة. ومع الحديث المتجدد عن عودة السوريين إلى بلدهم بعد نهاية عهد الأسد، بدأ البعض يطرح أسئلة عن غياب هذا التأثير، خاصة في ظل أزمة جديدة تشهدها سوريا بعد انهيار النظام.

إذا نظرنا إلى التفاعلات الاجتماعية بين الشعبين المصري والأردني، نرى أن هذه العلاقة لم تقتصر على مساعدات إنسانية، بل كان لها أبعاد ثقافية وجغرافية عميقة، تجلت في الانصهار المجتمعي الذي ولدته مواقف الحرب واللجوء. فالسوريون في مصر، وكذلك في الأردن، كانت لديهم أدوار واضحة في الحفاظ على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع المحلي. هذه الأدوار لم تكن فقط في المجالات الاقتصادية، بل شملت الحياة اليومية في مجالات مثل التعليم والمجتمع المدني. ومع ذلك، يبقى القلق على مصير هذا الوجود السوري في السنوات المقبلة مستمرًا، بين من يطالب بعودتهم إلى وطنهم بعد سقوط الأسد، ومن يرى أن إقامتهم في البلدين قد تكون ضرورة للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

الخلفية التاريخية

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 22 فبراير 1958.. الناخبون فى مصر وسوريا يوافقون على الوحدة.. وعبدالناصر رئيسًا - اليوم السابع
جمال عبد الناصر وشكري القوتلي 

لا تقتصر القصة على الواقع الراهن فقط، بل ترتبط أيضًا بالروابط التاريخية التي جمعت بين مصر وسوريا. ففي 22 فبراير 1958، وقع الرئيسان جمال عبد الناصر وشكري القوتلي ميثاق الجمهورية العربية المتحدة، الذي أسس لوحدة قصيرة العمر بين البلدين، والتي انتهت بانقلاب عسكري في سوريا عام 1961. هذه الوحدة التي لم تستمر طويلًا، لكنها كانت بداية لعلاقات تاريخية قوية بين الشعبين، تجسدت بشكل خاص في التعاون العسكري بين مصر وسوريا خلال حرب أكتوبر 1973، عندما شن البلدان هجومًا مشتركًا على إسرائيل. وتظل ذكرى هذا التعاون تتجسد في الأذهان العربية، رغم التحديات السياسية التي مر بها البلدان منذ ذلك الحين.

التعاون العسكري بين مصر وسوريا خلال حرب أكتوبر 1973

نهاية حكم الأسد

في 8 ديسمبر 2024، سقط نظام بشار الأسد بعد هجوم كبير شنته قوات المعارضة، وتحديدًا هيئة تحرير الشام، التي كانت قد قادت المعركة ضد النظام السوري في إطار الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ عام 2011. الحشود في دمشق خرجت للاحتفال بهذا الحدث التاريخي، معبرين عن فرحتهم بتغيير طال انتظاره. ومن خلال هذه اللحظة، بدأ الجميع يتساءل عن مصير السوريين الذين ظلوا يعيشون في بلاد الشتات طوال تلك السنوات، في ظل تحول مهم في خارطة السياسة السورية.

ردود فعل لـ(25) زعيمًا من زعماء العالمية على نهاية حكم الأسد في سوريا - الأول
نهاية حكم الأسد

بين النكات التي تدور حول المأكولات السورية في القاهرة وعمان، وبين مشهد الانتصار في دمشق بعد انهيار النظام، تتداخل الوقائع السياسية والاقتصادية والثقافية. يبقى السؤال الأبرز: ماذا سيحدث لملايين السوريين الذين عايشوا هذه الفترات العصيبة في حياتهم، وكيف سيستقبلهم الوطن الأم بعد فترة طويلة من الحرب والمنافي؟