مدفع رمضان.. قصة تقليد مصري أصيل بدأ بالصدفة وأصبح رمزًا للشهر الكريم

مع غروب الشمس في شهر رمضان، ينتظر الصائمون بفارغ الصبر لحظة إعلان الإفطار، والتي ارتبطت لعقود طويلة بصوت مدوٍ يهز الأجواء، إنه "مدفع الإفطار"، أحد التقاليد الرمضانية التي أصبحت جزءًا أصيلًا من الموروث الشعبي المصري والعربي. لكن ما أصل هذه العادة؟ وكيف بدأ استخدام المدفع لأول مرة؟
حكاية أول مدفع للإفطار.. مصادفة تاريخية في عهد محمد علي
يعود تاريخ مدفع رمضان إلى القرن التاسع عشر، حينما كان محمد علي باشا يعمل على بناء جيش قوي لمصر. ووفقًا للرواية الأشهر، فإن أحد قادة الجيش كان يجرب مدفعًا مستوردًا حديثًا من ألمانيا، فانطلقت قذيفة المدفع بالصدفة وقت أذان المغرب في شهر رمضان.
تفاجأ الناس في القاهرة بهذا الصوت المدوي، ولكن بدلًا من الذعر، شعروا بالسعادة وربطوا الصوت بموعد الإفطار. ومنذ ذلك الحين، انتشرت فكرة إطلاق المدفع عند أذان المغرب، ليصبح جزءًا من تقاليد رمضان في مصر، ثم انتقلت العادة إلى العديد من الدول العربية الأخرى.
رواية أخرى.. الخديوي إسماعيل ومدفع الإفطار
هناك رواية أخرى تتعلق بظهور مدفع رمضان، حيث يشير بعض المؤرخين إلى أن هذا التقليد بدأ في عهد الخديوي إسماعيل، عندما كان الجنود يقومون بتنظيف أحد المدافع في القلعة، فانطلقت قذيفة بالخطأ وقت أذان المغرب.
تسبب هذا الحدث في فرحة كبيرة بين المصريين، وظنوا أن الحكومة قررت استخدام المدفع للإعلان عن موعد الإفطار. وعندما علمت الأميرة فاطمة، ابنة الخديوي إسماعيل، بتأثير هذا الحدث على الناس، أمرت رسميًا باستخدام المدفع يوميًا عند الإفطار والسحور، ليصبح تقليدًا ثابتًا في شهر رمضان.
مدفع رمضان اليوم.. أين يوجد وكيف يعمل؟
رغم تطور الوسائل الحديثة، لا يزال مدفع رمضان حاضرًا في المشهد الرمضاني المصري، حيث يوجد حاليًا على هضبة المقطم بالقرب من قلعة صلاح الدين الأيوبي.
ويشرف على تشغيل المدفع فريق خاص من رجال الأمن، حيث يتم تجهيز البارود يوميًا وإطلاق القذيفة عند أذان المغرب للإعلان عن الإفطار، وعند أذان الفجر للتنبيه بموعد الإمساك، مما يضفي أجواءً رمضانية مميزة تذكر الأجيال القديمة والجديدة بعبق الماضي.
من القاهرة إلى العالم العربي.. انتشار تقليد المدفع
لم تقتصر عادة مدفع الإفطار على مصر فقط، بل انتقلت إلى العديد من الدول العربية، مثل السعودية، والإمارات، وسوريا، والكويت، والأردن، حيث بات جزءًا من تقاليد رمضان التي تعزز روح الشهر الكريم وتضفي عليه طابعًا خاصًا من البهجة والاحتفال.
مدفع رمضان.. بين الأصالة والحداثة
رغم دخول التكنولوجيا الحديثة في تحديد مواقيت الصلاة والإفطار عبر التطبيقات الإلكترونية والإذاعات، لا يزال صوت مدفع رمضان يحمل طابعًا خاصًا يربط الماضي بالحاضر، ويعكس حالة الفرح والاحتفال بقدوم الشهر الكريم.
ففي كل عام، وعند سماع دوي المدفع، يتذكر المصريون والعرب حكايات أجدادهم مع الإفطار، وتبقى هذه العادة شاهدًا على التراث الرمضاني الأصيل الذي لا يزال يحتفظ بمكانته في قلوب الجميع.