خبرنا كفافنا أم الذي للغد.. الترجمة الصحيحة للصلاة الربانية

أقباط وكنائس

بوابة الفجر


أطلقت صفحة «ايماننا الارثوذكسي القويم»، المنبثقة عن كنيسة الروم الأرثوذكس، والمتخصصة في خدمة أبناء الكنيسة الناطقين باللغة العربية، دراسة حملت شعار «الترجمة الصحيحة لبعض ايات الصلاة الربانية»
وقالت خلالها إن البعض يتسائل ماذا يُقال خُبزَنا كفافَنا أم خُبزَنا الجوهري أو خُبزَنا الذي للغد؟؟، وما هي الترجمة الأصلية والصحيحة وهل هناك من يقولوها بشكل خاطئ يبعدهم عن المعنى الجوهري للآية؟
بادئ ذي بدء، يجب أن نتذكر أن يسوع تكلم باللغة الآرامية، لكن الرسل الانجيليين دونوا هذا الكلام وغيره من أقوال يسوع باللغة اليونانية حسب المخطوطات الأصلية. وقد كانت محاولة إعادة بناء الصلاة الربية في بشارة لوقا بلغتها الأصلية اليونانية مُعقدة بسبب حقيقة أن بعض الكلمات والعبارات اليونانية في الصلاة مثل  "الجوهري"، كانت مفتوحة لتفسيرات كثيرة. 
لكن ليس هناك مجال للشك في أنها تشير إلى طلب مباشر للخبز اليومي لهذا اليوم الذي نحياه. وفي معناها الروحي نحن نطلب الخبز الروحي اليومي مثل الصلاة والصوم والمواظبة على قراءة المزامير وغيرها! وبمعناها الروحي الأعمق تعني تناول جسد ودم الرب في سر الافخارستيا!
إذن، بما أن كلمة (ἐπιούσιον) لم يتم استخدامها في أي موضع سوى في هذه الصلاة في المخطوطات، فكان تفسير معناها صعب للغاية حتى باللغة اليونانية لأنها حصرية على هذه الآية، وهي مكتوبة على الشكل التالي باللغة اليونانية القديمة في المخطوطات الأصلية: تون آرتون إيمون تون (إبييسيون) ذوس إيمين سيميرون.. خُبزَنا (الجَوْهَري أو الأساسي أو الضروري) أعطِنا اليومَ.. وفي كل الترجمات اليونانية الحديثة نجدها لا تبتعد عن هذا المعنى، فنحن نطلب خبز هذا اليوم لهذا اليوم، سواء كان بالمعنى الروحي أو الجسدي.. فقد تمت ترجمتها باللغة اليونانية الحديثة كالتالي: Δώσε μας σήμερα τον (απαραίτητο) για τη ζωή μας άρτο.
أعطنا اليوم (الضروري) لحياتنا من الخبز وفي ترجمة حديثة أخرى: Τὸ (καθημερινό) μας ψωμὶ δός μας σήμερα.. خبزنا (اليومي) أعطنا اليوم وكلمة (ἐπιούσιον) هي كلمة منفردة وفي سياق الآية تبدو بكل وضوح أنها (صفة) حيث يسبقها (الـ) ال التعريف (τὸν)، أي أنها صفة لهذا الخبز، مثل الخبز الـ(أساسي) أو الـ(ضروري) أو الـ(جوهري) أو الـ(يومي)! وباللغة الإنجليزية نقرأها حسب ترجمة الملك جيمس ومعظم الترجمات الأخرى Give Us this Day Our (Daily) Bread وفي الإنجليزية يتم تفسير كلمة (ἐπιούσιον) إلى: "supersubstantial" بمعنى "فوق جوهري" أو "فوق أساسي"! 
وحتى في إنجيل متى المكتوب باللغة الآرامية فإن ترجمتها هي: خبزنا الضروري أعطينا اليوم. وبحسب معرفة الآباء الأوائل بتعاليم الرب يسوع والكتاب المقدس فكان الاستنتاج الأقرب لما قد تعنيه هذه الكلمة هو الـ(جوهري) أو الـ(ضروري)! وبناءً عليه فإن ترجمة "خبزنا كفاف يومنا" أو "خبزنا كفافنا" هما ترجمتين مقبولتين وصحيحتين لأننا نكتفي بما يعطينا إياه الله روحيًا وجسديًا ليومنا الذي نحياه، رغم أن "خبزنا الجوهري أعطنا اليوم" هي الأصح والأقرب للمعنى الأصلي المترجم عن اليونانية! 
ولكن إحدى الطوائف المسيحية قامت مؤخرًا بتغيير هذه الآية، مما يجعلها تبتعد كل البعد عن معناها الحرفي والروحي، فيقولون: "خبزنا (الذي للغد) أعطنا اليوم" وبدأت تنتشر في كل كنائسهم وحتى أنها أصبحت القراءة المُعتمدة للصلاة الربية لديهم!!! وفي بعض الأبحاث التي قمت بها وجدت أن تبريرهم هو: نقصد الخبز اللازم لأرواحنا الذي لأبديتنا، اللازم للحياة المقبلة، للغد !!!!
حسنًا، أما كان أحرى بهم أن يقولوا "خبزنا (الروحي) أعطنا اليوم" دون تحريف للكلمات وللمعنى الأصلي ودونما إلتفاف حول المعنى ودون مقاومة لقصد الله بعدم الاهتمام بالغد؟!! فإذا كان الرب يسوع، الذي نطق بهذه الآيات بلسانه، يريدنا أن نطلب الخبز المستقبلي، كان بإمكانه أن يقولها واضحة، فـ "السماءُ والأرضُ تزولانِ، ولكن كلامي لا يَزولُ" (لوقا 21:33)، ولكنه يريدنا أن نكتفي بطلباتنا اليومية لليوم الذي نحياه الآن، سواء طلبات جسدية أو روحية، لأن حياتنا في الغد في يده وليست لنا!!
كما أن عبارة "خبزنا (الذي للغد) أعطنا اليوم" غير مستساغة أو مقبولة بالمعنى الروحي أو الكتابي، أو حتى من الناحية اللغوية، فإذا حاولنا ترجمة τὸν ἐπιούσιον "الجوهري" من المخطوطة اليونانية الأصلية على أنها "الذي للغد" فهذه المحاولة ستكون نتيجتها الفشل على كل المستويات! مثلًا إذا ترجمنا كلمة (τὸν ἐπιούσιον) إلى (الذي للغد) فهنا يوجد إشكالية، لأن كلمة (الذي) هي (اسم موصول)، ولا يمكن هنا أن نقوم بحذف (الـ) التعريف (τὸν) التي تسبق (ἐπιούσιον) في المخطوطات، وإذا سلمنا لهذه الترجمة جدلًا فإن الآية ستصبح "خبزنا الـ (الذي للغد) أعطنا اليوم"، وهكذا فإنها شاذة لغويًا إذ ليس هناك موضع لكلمة "الذي" في هذه الآية. 
وإذا عدنا بالزمن إلى سفر الخروج، لا يمكننا أن ننسى ما حدث عندما أمطر الله على الشعب خبزًا من السماء، وكانت تكفي كل يوم بيومه:  فقالَ الرَّبُّ لموسَى: ها أنا أُمطِرُ لكُمْ خُبزًا مِنَ السماءِ. فيَخرُجُ الشَّعبُ ويَلتَقِطونَ حاجَةَ اليومِ بيومِها. (الخُروجُ 16: 4) بكل وضوح وليس هناك مجال للتحريف يطلب الله من الشعب أن يأخذوا حاجَةَ اليومِ بيومِها.... فالله يريدنا ألا نطمع بعطاياه لليوم التالي أو للغد، بل نطلب ما هو لهذا اليوم فقط، حتى أن سيدنا يسوع المسيح أكد على هذا وقال بوضوح:  فلا تهتَمّوا للغَدِ، لأنَّ الغَدَ يَهتَمُّ بما لنَفسِهِ. يَكفي اليومَ شَرُّهُ (مَتَّى 6: 34) 
وبالعودة إلى سفر الخروج نجد أن الشعب كان يهتم بطعامه الذي للغد واحتفظوا ببعض الطعام لليوم التالي، وكانت النتيجة:  وقالَ لهُمْ موسَى: «لا يُبقِ أحَدٌ مِنهُ إلَى الصّباحِ». لكنهُمْ لَمْ يَسمَعوا لموسَى، بل أبقَى مِنهُ أُناسٌ إلَى الصّباحِ، فتوَلَّدَ فيهِ دودٌ وأنتَنَ. فسخَطَ علَيهِمْ موسَى. وكانوا يَلتَقِطونَهُ صباحًا فصباحًا كُلُّ واحِدٍ علَى حَسَبِ أُكلِهِ. وإذا حَميَتِ الشَّمسُ كانَ يَذوبُ. (الخُروجُ 16: 19-21)
فإذا كنا نطلب احتياجاتنا الجسدية فلنطلبها لهذا اليوم وليس للغد، وإذا كنا نطلب الروحانيات فلنطلبها لهذا اليوم، فالغد هو في يد الله وليس لنا، والرسول يعقوب يقول في رسالته:  هَلُمَّ الآنَ أيُّها القائلونَ: «نَذهَبُ اليومَ أو غَدًا إلَى هذِهِ المدينةِ أو تِلكَ، وهناكَ نَصرِفُ سنَةً واحِدَةً ونَتَّجِرُ ونَربَحُ». أنتُمُ الّذينَ لا تعرِفونَ أمرَ الغَدِ! لأنَّهُ ما هي حَياتُكُم؟ إنَّها بُخارٌ، يَظهَرُ قَليلًا ثُمَّ يَضمَحِلُّ. (يعقوبَ 4: 13-14) 
وفي الختام، أنا لم أكتب هذا الموضوع بدافع إدانة من هم خارج كنيستنا، ولكن بدافع التحذير لئلا يقع مؤمني كنيستنا في مثل هذه الهرطقات دون قصد، حيث أن هذه الهرطقة منتشرة على منصات التواصل الاجتماعي.... يقول الرسول بولس: لأنَّهُ ماذا لي أنْ أدينَ الّذينَ مِنْ خارِجٍ؟ ألَستُمْ أنتُمْ تدينونَ الّذينَ مِنْ داخِلٍ؟ أمّا الّذينَ مِنْ خارِجٍ فاللهُ يَدينُهُمْ. «فاعزِلوا الخَبيثَ مِنْ بَينِكُمْ». (كورِنثوسَ الأولَى 5: 12-13)