عادل حمودة يكتب: الكورونوفوبيا
أسقطت الديمقراطية ودعمت الديكتاتورية وفجرت الأنانية الدولية وشككت فى العقائد الدينية
تكالب على السلع واكتناز الذهب وسحب الأموال وحرمان الموتى من الدفن
استجابة لتوجيهات الرئيس.. هل وضعت الحكومة خطة لإنتاج السلع الاستراتيجية؟
هل نكف عن إنتاج الفراولة والموز والكانتلوب لنزرع القمح والذرة وقصب السكر؟
هل نطهر البحيرات لنضاعف من صيد الأسماك تعويضًا عن عدم استيراد اللحوم من الخارج؟
هل نضاعف من مساحات الرى الحديث لزيادة الاستفادة من الموارد المائية ؟
فرض فيروس كورونا على النظم السياسية المختلفة امتحانا مفاجئا خرجت منه الديمقراطية منحنية الرأس راسبة.
لم تستطع الولايات المتحدة ــ بقدراتها العلمية ونظمها الصحية وأبحاثها الطبية ــ أن تواجه الوباء دون أن تفرض إجراءات توصف بالديكتاتورية لو طبقت من قبل لخرج الأمريكيون جميعا إلى الشوارع غاضبين رافضين غير مصدقين.
لجأ الرئيس الأمريكى إلى قانون الإنتاج الدفاعى الذى يمنحه سلطات استثنائية تسمح لحكومته بتغيير السلع التى تنتجها المصانع وتأميم الشركات ووضع إمكانياتها تحت سيطرة الحكومة الفيدرالية.
ونسيت أوروبا ــ مهبط الديمقراطية وخليتها الأساسية ــ قيم الحرية والمساواة والحقوق الإنسانية وحرمت كبار السن من العلاج فى المستشفيات وتركتهم يموتون فى أماكنهم.
وتذكرت بعض الدول الرأسمالية (مثل إسبانيا) جينات أجدادها القراصنة واستولت على شحنات طبية لم تكن لها وبعد أن هدد رئيس الفلبين بإلقاء تجار المخدرات من الجو قرر إطلاق النار على كل من يخالف الحظر.
والمؤكد أن مزاج الشعوب تعكر وتغير مما يعنى تغير اتجاهات التصويت فى الانتخابات المقبلة.
فى الوقت نفسه نجحت الصين التى لا تزال تؤمن بديكتاتورية البوليتاريا (الطبقة العاملة) فى تحجيم الأزمة وتحملت آثارها الاقتصادية.
لم تطرد الصين عاملا واحدا بينما خسر خمسة ملايين عامل فى الغرب وظائفهم حتى الآن وثبت أن نظام إعانة البطالة لايفى باحتياجاتهم.
فى العالم العربى توقعت الأمم المتحدة أن يعانى أكثر من ثمانية ملايين شخص من الفقر بسبب الفيروس ويفتقد مليونى الغذاء الصحى السليم.
أصبحت حياة البشر مرهونة ببراعة الحكومات على التعامل مع الوباء حتى لا تتحول الأزمة البيوجية إلى أزمات سياسية واقتصادية وأمنية.
وما يضاعف من الضغوط والمتاعب أن كل دولة مجبرة على التعامل مع الأزمة بمفردها بعد أن فرض الوباء عزلة غير مسبوقة فى النظام العالمى فرضت عليه صفات سيئة مثل الأنانية التى ستنقلب ــ لو طالت الكارثة ــ إلى وحشية وهمجية وعنصرية وكأنه عاد إلى العصور الحجرية.
ستفكر دول الوفرة فى الغذاء ألف مرة قبل أن تصدر شحنة واحدة للخارج بدعوى أن شعبها ربما احتاج ما تحصد من قمح وما تعصر من زيت وما تنتج من حليب وجبن.
ولم يعد أمام الدول المستوردة سوى السعى جاهدة لتحقيق أقصى نسبة ممكنة من الاكتفاء الذاتى سواء فى الطعام أو الدواء وإلا عانت من جوع ومرض دون أن تجد من تمد إليه يدها سوى الأولياء والقديسين.
والمؤكد أن توجيه الرئيس إلى الحكومة بإنتاج السلع الاستراتيجية تنبيه مبكر لم أسمع صداه من المسئولين المعنيين الذين وصل إليهم بالقطع.
لم أسمع صوت وزيرة التخطيط لتطمئننا بأنها عاكفة على وضع خطة محكمة تستفيد فيها من كافة الموارد العامة والخاصة بما لم يحدث من قبل.
لم أسمع صوت وزير الزراعة ليؤكد أننا سنكف عن زراعة الموز والكانتلوب والفراولة لنتيح الفرصة للقمح والذرة والأرز وقصب السكر ومحاصيل إنتاج زيوت الطعام.
لم أسمع صوت وزيرة الصناعة وهى تزف إلينا نبأ مضاعفة السلع الغذائية المعبأة التى تسد حاجتنا إلى الطعام إذا ما اشتدت الأزمة.
لم أسمع صوت وزير التموين وهو يعلن أن ما لدينا من سلع أساسية يكفينا ستة أشهر على الأقل لا ثلاثة فقط.
ولو كان استيراد اللحوم يمكن أن يتوقف فإن الحل فى يد وزير الرى الذى عليه تطهير ما لدينا من بحيرات راكدة لزيادة إنتاج الأسماك.
وعليه أيضا تقليل مساحات الرى بالغمر وزيادة مساحات الرى بالتنقيط ليوفر ما تحتاج الزراعة من مياه خاصة المحاصيل التى تحتاج إلى كميات مضاعفة منها.
وعادة ما كنا نراهن على أن المصريين فى الأزمات الصعبة يحققون معجزات غير متوقعة ولعل انتصارنا فى حرب أكتوبر خير دليل على ذلك.
لكن أزمة الكورونا ليست كغيرها فالخوف من العدوى والجهل بالفيروس وغياب العلاج وخبرة الأوبئة السابقة خلقت أنماطا سلوكية نفسية تفتقد العقلانية والموضوعية.
هناك شعور جمعى بالقلق والخوف والارتياب دفع إلى شراء ما يصادفه البشر من سلع ولو كانوا لا يحتاجونها بل ووصل الانفلات إلى حد نهب سلاسل السوبر ماركت فى كثير من دول العالم نحمد الله أن مصر ليست من بينها.
إن الاقتصاد الذى يقوم على الإحصائيات والحسابات والقرارات المحكمة يفتقد تلك الخصائص فى الأوبئة وظهر فرع جديد منه يسمى الاقتصاد السلوكى يقوم على استحضار الأزمة عند تصرفاتنا.. بجانب التكالب على السلع نجد اتجاها محموما لشراء الذهب أو وضع ما يطمئن من نقود سائلة فى البيوت.
والمشكلة أن الهلع يتضاعف فى الأزمات كلما قيدت سلوك الإنسان.. يزداد إقباله على شراء السلع مهما ارتفع سعرها.. ويزداد سحب أمواله من البنوك كلما نقصت الكمية المسموح له بها.. مثلا. وبسبب فوبيا الكورونا (أو الكورونا فوبيا) يتصاعد الشك فى أنفسنا خشية أن نكون حاملى الفيروس وازداد ابتعادنا عن الآخرين خوفا من العدوى ولو كنا متأكدين من سلامتهم أو بعد وفاتهم.
لقد وصل الوسواس القهرى من الكورونا إلى مداه عندما رفض أهالى قرية فى الدقهلية دفن طبيبة ماتت بالفيروس وهى تعالج المصابين بها.
رفضوا خبرتهم بقواعد الغسل الشرعى للمتوفى ووضع جثمانه فى كيس وغلق مخارجه ونسوا إيمانهم الدينى بأن تكريم الميت فى دفنه.
ولو كانت غيبية الفيروسات تعيد البعض إلى حظيرة الإيمان فإنها قد تشكك البعض الآخر فى معتقداته متسائلا: لم يرسل الله لنا الأوبئة ونحن نؤمن به؟ هل هناك طريق آخر للخلاص؟.
وبتأخر الطب فى التوصل إلى علاج للكورونا أو مصل للوقاية منها استردت الوصفات الشعبية نفوذها السابق على صحة البشر.
فى الصين ابتلعت سيدة مسنة كيلو ثوم فأصيبت بالتهاب فى الحلق وقرحة فى المعدة ودخلت المستشفى للعلاج من أمراض أخرى.
ولم يتردد أطباء كبار فى مصر من فقدان الثقة فى دراساتهم وخرجوا علينا يتحدثون عن العلاج بالشلولو وتحول من يفهم ومن لايفهم إلى خبراء فى القضاء على الفيروس وهم يغطون أنفسهم بأوهام ــ غذتها السوشيال ميديا ــ بأن العالم يجرى وراءهم للحصول على ما توصلوا إليه.
وكان لابد لنظريات المؤامرة أن تجد مكانا لها على سطح الأزمة مقترنة بالشائعات.
عندما اجتاحت الكوليرا فرنسا سرت شائعة بأن الملك لويس فيليب لوث آبار المياه بالزرنيخ فانفجرت فى وجهه تظاهرات واجهتها الحكومة بعنف أدى إلى قتل 15 ألف شخص.
وفى ظل الأعصاب المصنوعة من الزجاج المشدود يسهل تكرار مثل هذه الشائعة المدمرة فى كثير من دول العالم بما فيها مصر.
إشاعة دفعت أعدادا غفيرة من المواطنين للتزاحم على البنوك بدعوى توزيع 500 جنيه على كل فرد وشاعة حرمت طبيبة من الدفن فى قريتها أو فى قرية زوجها وشائعة عن إلغاء الدعم التموينى ربما تفجر غضبا غير محتمل الآثار.
ولا مفر من أن تزيد الحكومة من مصداقيتها كل يوم حتى يثق الناس فيها فلا يسمعون صوتا غير صوتها ولا يطمئنون إلا لسواها.