كيف أصبح "دونالد ترامب" قدوة للإرهابي الذي قتل المسلمين في نيوزيلندا؟ (تقرير)
لم يعد دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية فحسب، بل كشف الحادث الإرهابي الذي وقع للمسلمين في نيوزيلندا عن عالمية الرجل، الذي أصبح بموجبه زعيماً كبيراً لليمين المتطرف حول العالم.
"قدوتي"
انبرى "ترامب" للوهلة الأولى من وقوع الحادث، وأدان تلك الجريمة الشنعاء، التي راح ضحيتها العشرات، لكنه لم يغب عن المشهد، بل كان حاضراً في جميع تفاصيله بصرخات المتطرف الأسترالي، الذي أكد أن قدوته الأولى هو الرئيس الأمريكي "ترامب" في توجهه الإرهابي المتطرف، ووصفه بأنه "رمزاً للهوية البيضاء المتجددة".
منذ الوهلة الأولى
لم تتكون هذه الكراهية ضد المسلمين في أوروبا وأمريكا بين يوم وليلة، بل هي نتاج تصريحات وسنوات من تغذية دعاوى الأسلاموفوبيا، فمنذ الوهلة الأولى لظهور "ترامب" الجارف على وسائل الإعلام، لم يكن حديثه ببعيد عن الإسلام والمسلمين، وكان الكثير من تصريحاته قبل انتخابه تتناول المسلمين، التي كانت عماداً أساسياً يستند عليه في الترويج لحملته الانتخابية.
تصريحات معادية
تنوعت تصريحات "ترامب" ضد المسلمين، لكنها كانت تصب في اتجاه واحد، فمن أشهر تصريحاته العنصرية المعادية قوله "فلنخرج جميع المسلمين من البلاد ولنبني حاجزاً بيننا وبينهم، أو أن نجعل المكسيك تبنى حائطاً لمنع تدفق اللاجئين إلى الولايات المتحدة".
وفي إحدى تصريحاته دعا "ترامب" إلى وقف كامل وكلي لدخول المسلمين الولايات المتحدة، قائلا: "ليس لدينا أي خيار آخر"، فيما أكد في تصريح آخر نصاً "إنّ استطلاع رأي، أظهر أن المسلمين يكرهون الأمريكيين، وهو ما يشكل خطرا على البلاد".
وفي مناسبة أخرى أكد "ترامب" قائلا: "الحدود ينبغي أن تظل مغلقة أمام المسلمين حتى يتوصل نواب الشعب إلى فهم واضح لأسباب تلك الكراهية".
ارتفاع حاد في الجرائم
على وقع تصريحات "ترامب" العدائية، التي كان يطلقها وقت حملته الانتخابية، انعكس ذلك بقوة على واقع الأزمة، وزاد من حدتها، فلقد أظهر التقرير السنوي الذي أصدره مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، في 15 نوفمبر 2016، والخاص بجرائم الكراهية، ارتفاعاً حاداً في عدد الجرائم في الولايات المتحدة.
المسلمون الأكثر استهدافاً
وأوضح التقرير، أن المسلمين هم الأكثر استهدافاً، مشيراً إلى أن جرائم الكراهية ارتفعت ضد المسلمين بنسبة 67% بغضون عام، حيث بلغ عددها 154 جريمة في عام 2014، بينما ارتفعت إلى 257 في 2015.
وبيّن التقرير أن الجرائم المرتكبة بدافع العِرق، بلغت نسبتها 59.2%، و19.7% سببها التحيز الديني، و17.7% للتوجه الجنسي، بينما بلغت الجرائم المتعلقة بالجنس والإعاقة 3.3%.
"ترامب" وصلته المباشرة بالجرائم
في تقرير حقوقي آخر، أجراه مركز قانون الحاجة الجنوبي، وهو منظمة تراقب التطرف في شتى أرجاء الولايات المتحدة، أكد تسجيل 1094 حادث تمييز بين الفترة من نوفمبر 2016 إلى فبراير 2017.
وقال التقرير، إنّ 37% من هذه الحوادث ذات صلة مباشرة بالرئيس "ترامب"، و شعارات حملته الانتخابية وسياسته.
وأوضح أن هناك زيادة في جماعات تأييد الكراهية على الأراضي الأمريكية، حيث بلغت 917 جماعة عام 2016 تعمل في 48 ولاية، مقارنة بنحو 784 جماعة قبل عامين.
وتضم ولاية كاليفورنيا وحدها 79 جماعة، يليها ولاية فلوريدا التي تضم 63 جماعة، وجاءت أكثر الحالات المبلغ عنها في كاليفورنيا ونيويورك وتكساس ثم فلوريدا.
وقائع وشواهد
منذ تولي "دونالد ترامب" الرئاسة في الفترة ما بين 20 يناير إلى أغسطس 2017، وقعت الكثير من حوادث الكراهية، لعل من أبرزها بعد توليه الرئاسة بـ7 أيام وتحديداً في 27 يناير، تناقلت الصحف أن مؤيداً لترامب قام بإهانة موظفة مسلمة بشركة طيران.
وقام المتطرف آنذاك بركل الموظفة المسلمة "ربيعة خان" في ساقها، التي كانت ترتدي الحجاب أثناء أداء عملها في إحدى شركات الطيران بمطار "جيه إف كينيدي" بولاية نيويورك، وصرخ في وجهها قائلا: "ترامب سيتخلص منكم جميعاً".
وفي 5 مارس، أطلق شخص مجهول النار على مواطن سيخي أمريكي، من أصول هندية في مدينة سياتل، تسبب في إصابته في يده، فيما أكد الضحية وقتذاك أن المتهم صرخ فيه "ارجع إلى بلدك" قبل أن يطلق النار عليه، ظنًا منه أنه مسلم.
وفي 25 مايو، ألقت شرطة نيويورك القبض على مدرس أمريكي بعد قيامه بنزع الحجاب من رأس طالبة مسلمة تبلغ من العمر 8 أعوام، فيما قُتل رجلين على متن قطار حاولا حماية فتاة مسلمة، في 27 مايو، حيث لقي شخصان مصرعهما طعناً في ولاية أوريجون، بعد أن حاولا الدفاع عن سيدة مسلمة تعرضت لوصلة من السباب العنصري.
وشهدت الولايات المتحدة مقتل المصرية "نبرة حسانين" على يد متعصب، في 19 يونيو، حيث عثرت الشرطة آنذاك على جثة الفتاة في بلدة فيرفاكس بولاية فرجينيا.
وكانت تبلغ من العمر 17 عامًا، وقام المتطرف بالاعتداء عليها واختطافها بعد خروجها من مسجد "أدامز"، الذي يعد أكبر مسجد في شمال فيرجينيا.
نبرة الانتخابات ومعدلات الجريمة
ويرى بريان ليفين، خبير علوم الجريمة ومدير مركز دراسة الكراهية والتطرف، إنّ نبرة الانتخابات الرئاسية الأمريكية الماضية، ربما لعبت دوراً في التأثير على معدلات الجرائم والتعرض لوسائل الإعلام، وربما تكون أحد أسباب تباين دوافع الأفراد، من المتشددين المتعصبين إلى أولئك الساعين إلى اتخاذ تحرك ما، بحسب تعبيره.
غوغائي ومحرض على كراهية المسلمين
كان هذا عنوان لمقال "ميشائيل كنيغه" الكاتب والصحفي، في مؤسسة DW الألمانية، الذي نعت "ترامب" صراحة بأنه شخص عنصري وغوغائي، وأن دعوته إلى منع المسلمين من السفر إلى الولايات المتحدة هي خطة استراتيجيه يعمل عليها.
وأضاف "كنيغه": "بمطلبه هذا القائل بمنع المسلمين، يعلن "ترامب" بأن مليار مسلم ونصف المليار هم إرهابيون محتملون، وهذه عنصرية تسخر من جميع قيَم الحرية الدينية وحقوقها".
مَن وراء ترامب؟
في 9 ديسمبر 2015، أوردت "سي إن إن" الأمريكية، في تقرير لها، على موقعها، أن مصدر "دونالد ترامب" في اتهاماته ضد المسلمين وتحريضه المتكرر، هو "فرانك جافني" أحد أبرز المصابين برهاب الإسلام في أمريكا، ومدير مركز أبحاث معروف بترويج نظريات المؤامرة، يدعى "مركز السياسة الأمنية".
ويعتبر "جافني"، الذي سبق له العمل لأربع سنوات في وزارة الدفاع الأمريكية في حقبة الرئيس رونالد ريغان، أحد أعتى دعاة الإسلاموفوبيا بأمريكا، بحسب مركز "ساوثرن بوفرتي" المعني بمراقبة الدعوات والنزعات العرقية المتشددة، الذي قال آنذاك أنه "يعتزم إضافة "جافني" إلى قائمة دعاة الكراهية للعام 2016.
"جافني" من قرب
واشتهر "جافني" بين أوساط القوى اليمينية المتطرفة، ولديه تاريخ حافل بالاتهامات المماثلة ضد المسلمين، حسبما قالته "هايدي بيريش"، مديرة قسم الأبحاث بمركز "ساوثرن بوفرتي" لمراقبة دعوات الكراهية العرقية.
كما شارك "جافني" في تأليف كتاب يحذر فيه من ما وصفه بـ"تسلل الشريعة" إلى أمريكا والغرب، مع ترويج "نظريات مؤامرة" المعادية للإسلام.
وادّعى أن 51% من المسلمين بأمريكا يعتقدون بأن من حقهم المطالبة بتطبيق أحكام الشريعة عليهم، وأن ربعهم يؤيد استخدام العنف ضد أمريكا في سياق الجهاد العالمي.
وفي مقابلة له عام 2014 أكد أنّ الهدف الرئيسي للمسلمين في أمريكا هو "تدمير الحضارة الغربية من الداخل".