منال لاشين تكتب: عامان على نكبة التعويم
لماذا لم ينخفض سعر الدولار؟
يوم السبت الماضى 3 نوفمبر مر عامان على قرار إعدام الجنيه أو التعويم الكامل، خلال العامين سمعنا تصريحات كثيرة من مسئولين كبار، معظم التصريحات كانت تؤكد أن الحال سيتحسن وأن صحة الجنيه ستتحسن باستمرار، وخلال دورات محددة.. ستة أشهر أو عام وبحد أقصى عامين، الآن مر العامان، مرت المدة التى صدعتنا بها تصريحات رسمية وأجنبية.
ولا شك أن بعض السفن قد تحركت ولكن بحركة بطيئة جدا، ولكن المشكلة لا تزال فى الديون وخاصة الدين الخارجى، واستمرار ضعف سعر الجنيه أمام الوحش الدولار، وهذا الوضع مسئول بشكل نسبى عن ارتفاع الأسعار، من المؤكد أن ثمة إيجابيات حدثت، ولكن السؤال الذى يجب أن نبحث له عن إجابة هو: لماذا لم ينخفض الدولار ويتعافى الجنيه؟.. هذا السؤال ليس من قبيل التشفى فى السياسة الاقتصادية، ولكن لسبب اقتصادى مهم هو أن سعر العملة فى أى دولة يعكس قوة ومتانة اقتصادها، ولذلك فإن تحرى أسباب انهيار الجنيه سيقودنا بالتأكيد إلى معرفة مواطن الخلل فى الخريطة الاقتصادية فى مصر، وفى القلب منها أزمة التعامل مع 6 ملايين موظف حكومى.
1- أزمة الموظفين
خلال إحدى جلسات منتدى الشباب تناول الرئيس السيسى فكرة إلغاء العلاوة السنوية للموظفين لبناء المدارس الجديدة وحل أزمة التعليم، ولكن بعيدًا عن بناء المدارس فإن فكرة العلاوة السنوية للموظفين أصبحت هما وعبئًا كبيرًا على الموازنة العامة، وبمناسبة قانون الخدمة المدنية الجديد تم خفض العلاوة من 10% إلى 7% وتصل فى حدها الأدنى إلى 5%، وعلاوة الـ10% كانت تكلف الدولة 32 مليار جنيه، لأن بند الرواتب يكلف الدولة 320 مليار جنيه، رواتب فقط دون المزايا العينية التى تقدم للموظفين من تأمين صحى ومعاش وخدمات، ولذلك تسعى الحكومة إلى تحفيز الموظفين أو على الأقل ثلث الموظفين للخروج على المعاش المبكر، والخطة تشمل 2 مليون موظف، وهو ما يوفر للدولة 100 مليار جنيه سنويا، والجديد أن الحكومة توصلت إلى حل يرضى الموظفين، أو بالأحرى يحفزهم على الإسراع بالمعاش المبكر، وهذا الحل يتمثل فى زيادة المعاش بنسب معقولة، لأن صغر مبلغ المعاش دفع ملايين الموظفين لرفض فكرة المعاش المبكر، وذلك للاستفادة من قيمة الراتب التى تصل إلى أضعاف المعاش، ويبدو أن الضغط على الموازنة بالديون والعجز دفع الحكومة إلى تقديم تنازلات فى ملف المعاشات لتقليل عدد الموظفين أو بالأحرى تقليل حصتهم فى المصروفات التى تبلغ الآن 16% من حجم المصروفات، ولذلك فالخبر السعيد أن الحكومة تفكر فى زيادة المعاش لأصحاب المعاش المبكر.
2- كلمة السر
نعود إلى التساؤل حول سر بقاء الجنيه عليلاً أمام الدولار وكل العملات الأخرى، هناك بالطبع عدة أسباب لاستمرار المرض، أولها أن التعويم الكامل لم يكن الطريقة الأفضل للتعويم فى بلد تعتمد اعتمادًا شبة كامل على الصادرات، ولذلك كان يجب أن نختار التعويم المدار أو التعويم الذى يتحكم فيه جزئيا البنك المركزى.
ولكن السبب الأهم أو كلمة السر هى الصناعة، ولذلك كان محافظ البنك المركزى طارق عامر حريصا على التركيز على أهمية تطوير الصناعة وإحلال المحلى محل المستورد، وذلك من خلال المجلس التنسيقى بين الحكومة والمركزى، وخلال جلسات المجلس تم وضع خطة متكاملة لإحلال المصرى محل المستورد واختيار الأنشطة الصناعية وتم توفير تمويل لهذه الأنشطة الصناعية من خلال البنوك العامة، وكان ذلك خلال حكومة المهندس شريف إسماعيل، ولكن الخطة لم تلق اهتمامًا كبيرًا من وزير الصناعة، وبذلك لم تنخفض الواردات بالدرجة التى كان يمكن أن تقوّم الاقتصاد وبالتالى تقوى ظهر الجنيه أمام الدولار.
المشكلة الأخرى هى تخوف الحكومة من تقديم دعم مالى مباشر لآلاف المصانع المتعثرة كليا وجزئيا، والاعتماد على اتفاق أصحاب المصانع مع البنوك على جدولة الديون والحصول على قروض جديدة، ولكن تخوفت البنوك على أموال المودعين، ولابد من خطوة جريئة لإنهاء مشكلة توقف المصانع، والحل على غرار أمريكا الرأسمالية، فعندما حدثت أزمة القروض العقارية قامت الحكومة الأمريكية بشراء أسهم الشركات المنهارة لإنقاذها من الإفلاس، وبعد أن تخطت الشركات الأزمة باعت الحكومة أو الخزانة الأمريكية الأسهم، هذا الحل من شأنه أن يضخ دماء حقيقية فى شرايين الاقتصاد المصرى.
ولا شك أن تخصيص جزء من موازنة التنمية أو إعادة تعمير مصر يجب أن نوجهه لمشروعات صناعية منتجة لسلع، وهذا الحل أو إنتاج السلع يخفض الواردات من ناحية ويخفف الضغط على طلب الدولار من ناحية أخرى، الأهم أنه سيساهم فى حل مشكلة جنون الأسعار التى تطحن المواطن.
3- تعويم أو أزمة إنتاج
فالمواطن العادى والطبقة المتوسطة تحملا كاملاً فى البداية فاتورة التعويم والارتفاع المفاجئ والمضاعف للكثير من السلع، ولكن استمرار أسعار السلع بهذا الجنون لا يتعلق بالتعويم، لأنه من المفترض أن صدمة التعويم لا تستمر عامين، أما السبب الحقيقى فإن هناك رواجًا اقتصاديًا مرتبطًا بالبناء والعقارات فقط، وهذا الرواج أوجد أموالا ولكن لم ينتج سلعا، ولذلك زاد الطلب على السلع وقل المعروض منها، وفى أدبيات الاقتصاد الحر أن هذه المعادلة تؤدى تلقائيا إلى ارتفاع الأسعار.
من ناحية أخرى فإن غياب الرقابة الحقيقية على الأسواق والسلع ترك فرصة للمحتكرين والجشعين لرفع الأسعار بحجة التعويم والدولار، ولذلك يجب أن تقوم الحكومة بواجبها فى مراقبة الأسعار بكل حزم، وذلك بدلا من إلقاء اللوم على المواطن حين يعلو صوته بالشكوى أو بالأحرى الأنين.
4- أزمة الديون
جانب من أزمة التعويم أننا لم نقدر جيدا إمكانيات رفع السياحة والتصدير لأن مصروفاتنا من الدولار لا تزال أكبر بكثير من احتياجنا للدولار، ولذلك بلغت الديون الخارجية فقط 92 مليار دولار، وذلك بحسب تصريح طارق عامر، ويتوقع أن يصل المبلغ إلى 100 مليار قبل بداية العام الجديد، ويمثل إجمالى الدين العام 38% من المصروفات بمبلغ 541 مليار جنيه، وهذا تحدٍ صعب يحتاج إلى إعادة النظر فى أولويات التنمية والمشروعات المهمة التى يمكن تأجيلها لحين خفض الديون فى حدود آمنة.