الصحراء الغربية.. قصة الأزمة المعقدة بين المغرب والجزائر

تقارير وحوارات

الجزائر والمغرب
الجزائر والمغرب

 

 

تُعد قضية الصحراء الغربية واحدة من أطول النزاعات السياسية في إفريقيا والعالم العربي، حيث تمثل جوهر التوتر بين المملكة المغربية والجزائر منذ أكثر من أربعة عقود، وشكلت محورًا للصراع الجيوسياسي في منطقة المغرب العربي.

خلفية تاريخية

تقع الصحراء الغربية على الساحل الشمالي الغربي لإفريقيا، وتبلغ مساحتها نحو 266 ألف كيلومتر مربع. كانت مستعمرة إسبانية منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى عام 1975. ومع انسحاب إسبانيا، نشأت أزمة السيادة على الإقليم، حيث طالب به المغرب باعتباره جزءًا من أراضيه التاريخية، في حين دعمت الجزائر حركة جبهة البوليساريو التي تطالب بإقامة دولة مستقلة تحت اسم "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية".

اتفاق مدريد وبداية الأزمة

في عام 1975، وقعت إسبانيا اتفاقية مدريد مع المغرب وموريتانيا لتقاسم إدارة الإقليم، دون إشراك سكانه الأصليين أو البوليساريو. وردًا على ذلك، أعلنت الجبهة المدعومة من الجزائر الحرب ضد المغرب وموريتانيا، والتي انسحبت لاحقًا من النزاع عام 1979، تاركة المغرب يسيطر على معظم الإقليم.

منذ ذلك الحين، سيطر المغرب فعليًا على نحو 80% من الصحراء الغربية، بينما تسيطر البوليساريو على ما يعرف بـ "المنطقة العازلة" شرق الجدار الرملي الذي شيده المغرب.

دور الجزائر

تدعم الجزائر جبهة البوليساريو سياسيًا وعسكريًا وتؤوي قادتها في مخيمات اللاجئين بتندوف. وتعتبر الجزائر أن القضية تتعلق بـ "حق تقرير المصير لشعب الصحراء"، بينما يرى المغرب أن الجزائر طرف أساسي في النزاع وتسعى لإضعافه إقليميًا.

ورغم محاولات نفي الجزائر الدائم لكونها "طرفًا مباشرًا"، إلا أن دعمها الدبلوماسي والعسكري والسياسي لجبهة البوليساريو كان ولا يزال عاملًا أساسيًا في استمرار الأزمة.

الأمم المتحدة ومبادرات الحل

منذ 1991، ترعى الأمم المتحدة وقفًا هشًا لإطلاق النار بين الطرفين، وأطلقت مبادرات لحل سياسي دائم. أبرز هذه المبادرات كان مقترح الحكم الذاتي المغربي الذي قُدم عام 2007، والذي يمنح الإقليم إدارة ذاتية تحت السيادة المغربية، لكنه قوبل برفض من البوليساريو والجزائر.

في المقابل، تطالب البوليساريو بإجراء استفتاء لتقرير المصير، وهو ما تعطّل مرارًا بسبب الخلاف حول من يحق له التصويت.

التوتر المغربي الجزائري

تدهورت العلاقات بين الجزائر والمغرب بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وبلغت ذروتها في أغسطس 2021 حين أعلنت الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط، متهمةً إياها بـ "أعمال عدائية". وجاء القرار بعد سلسلة من التصريحات والتطورات، أبرزها اعتراف الولايات المتحدة في عهد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء، مقابل تطبيع الرباط لعلاقاتها مع إسرائيل، وهو ما أثار حفيظة الجزائر.

الوضع الحالي

رغم مرور أكثر من 45 عامًا على بداية النزاع، لا يزال ملف الصحراء الغربية مجمدًا على المستوى الدولي، وسط عجز أممي عن تحقيق تقدم ملموس. ويزداد الوضع تعقيدًا في ظل التنافس الإقليمي بين الجزائر والمغرب، وتداخل المصالح الدولية في المنطقة، خصوصًا مع دخول قوى مثل فرنسا، روسيا، والولايات المتحدة على خط النزاع.

 


في النهاية تظل قضية الصحراء الغربية واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في شمال إفريقيا، حيث تتقاطع فيها رواسب الاستعمار مع صراعات السيادة والهوية الجيوسياسية. وبينما تتعثر جهود الحل، يدفع المدنيون الصحراويون في المخيمات وعلى الأرض ثمن استمرار الجمود السياسي، وسط آمال في أن يحمل المستقبل تسوية عادلة تُرضي تطلعات شعوب المنطقة وتُنهي عقودًا من التوتر.