رامي المتولي يكتب: إرهاب يمينى متطرف فى "يوتيا -22 يوليو"
العنف غير مغلف بالدين ولا وطن أو هوية محددة
مذبحة لمدة 72 دقيقة لفرض وجهة نظر البطل بالقوة والدم
من بين 19 فيلما تمثل الاختيار الرسمى خارج مسابقات الدورة الثانية لمهرجان الجونة السينمائى يطل فيلم فيلم U - July 22 ليعبر عن نوع آخر من الإرهاب والعنف هذه المرة غير مغلف بالدين كما هو معتاد فى أفلام السنوات الأخيرة بعد التمكن الوقتى للإسلام السياسى وتأثير تبعاته على العديد من الأماكن، على كل الأحوال يظل الإرهاب إرهابًا سواء كان دينيا أو قوميا أو عرقيا أو فكريا كلها استغلال لفرض واقع بالقوة والدم، فى حالة هذا الفيلم الإرهاب يمينى أيديولوجى يرفض كل ما هو يسارى، فبعد هجوم بسيارة مفخخة فى العاصمة النرويجية استهدف عددًا من المبانى الحكومية ورئيس الوزراء وقتها، توجه الإرهابى اليمينى أندرس بريفيك إلى جزيرة أوتيا معرفًا نفسه كضابط شرطة مرسل فى تفتيش روتينى بعد الانفجار، الجزيرة تشهد معسكرا صيفيا دوريا للمراهقين التابعين لحزب العمل اليسارى، وبعد قتله لمسئولة المعسكر وضابط الأمن يبدأ بريفيك فى قتل المراهقين صارخًا باعلى صوت «الموت للماركسيين» لمدة 72 دقيقة قبل أن تتدخل وحدات الشرطة النظامية والخاصة للقبض عليه.
الفيلم روائى يعتمد على الحدث وشهادات الناجين ويعيد تصويره بابطال متخيلين وبشكل يتبنى وجهة نظر الضحايا ويجسد حالتهم حيث يتحول الفيلم بعد مرور 20 دقيقة تقريبًا للقطة واحدة طويلة بدون قطع تمتد لـ 72 دقيقة هى الزمن الفعلى للمذبحة، كل التفاصيل الخاصة بالماكياج كانت تتم على الهواء الجروح وتأثير الإصابات تضاف للممثلين اثناء انتقال الكاميرا فى الاتجاهات المختلفة وليصل المخرج أريك بوبه لأقصى درجات التوحد بين المشاهدين والابطال كان يلجأ لزاوية تصوير First Person والتى تعد أشهر تطبيقاتها فى مجال ألعاب الفيديو والتى تستخدم لتجسيد وجهة نظر البطل وان يصبح مجال رؤية المشاهد هو نفسه مجال رؤية البطل فى حالتنا هذه هى كايا (أندريا بيرناتزن) المراهقة الرصينة التى تعانى من رعونة أختها الأصغر وتصرفاتها الطفولية فى المعسكر، ومع بدء المذبحة تتفرق الاختان وتحاول الكبرى البحث عن الصغرى بدلا من محاولتها السباحة والهرب من القاتل.
تبنى المخرج لوجهة نظر الضحايا كان لحد التطابق لذلك كانت المعلومات التى يتلقها من مشاهد الفيلم هى نفسها المعلومات التى يمكن أن يتلقها اى واحد من الضحايا فحالة التخبط التى ضخمت حالة الخوف عند الضحايا كانت فى المعلومات الشحيحة التى يتوصلون اليها وعلى رأسها أن الشرطة هى من تقوم بإطلاق الرصاص عليهم، وذلك لأن القاتل اثناء تنفيذه لعمليته بشقيها كان يرتدى زى ضابط، ونجح فى أن يجعل من حالة الهرب ومكالمات الهاتف الهامسة مضخما لحالة الذعر والترقب، الحوار كان يحمل اهمية فى الدقائق الأولى من الفيلم لتوضيح طبيعة المعسكر وردود افعال من فيه حول الانفجار فى عاصمة بلدهم وربطه بموجة الإرهاب المنسوبة للإسلام السياسى حيث كان احد اصدقاء كايا يؤكد أن العملية من تنفيذ مسلمين فى حين انها كانت ترفض هذا الرأى دون التحقق من المعلومات، لكن فى الدقائق التى تلت بدء المذبحة لم يعد اى شخص يفكر من وراء القتل فقط النجاة هى الأهم، لذلك تحولت الحوارات القليلة فى الفيلم إلى أحلام مشتركة وأمل فى النجاة ووصايا أخيرة وتحول شريط الصوت البديع إلى أصوات آهات وآنات وطلقات رصاص تبدو كأنها أطلقت من أماكن متعددة ومن أكثر من مطلق.
شريط الصوت الذى ركز على أصوات الطبيعة وجعل منها انعكاسًا داعمًا لحالة الابطال ليدلل على الوحدة والعزلة التى يعانون منها، حتى عندما تحدثت كايا مع والدتها فى الهاتف صوت الأم ظهر كهمهمات ونفهم الحوار فقط من جانب كايا، التمثيل هو العنصر الأهم والأبرز بعد التصوير واختيار اللقطة الواحدة الممتدة لعشرات الدقائق وزاوية التصوير المميزة، تعبير الخوف المستمر من الأبطال الشباب بخبراتهم التمثيلية المحدودة يمثل عبئا على المخرج خاصه أنه يحتاج لتدريب الممثلين لوقت الطويل قبل اختياره بدء التصوير المعتمد على لقطة واحدة، ربما الخطأ فيه يستوجب اعادة التصوير من البداية، بدون اى ادعاءات أو مبالغة يجسد المخرج حالة الخوف والرعب ويحمل المشاهد وطأتها مع الأبطال ويعبر عن ضعف إمكانيات الشرطة التى تلقت بلاغات عن الواقعة بعد دقائق من بدايتها لكنهم كانوا غير قادرين على الوصول للجزيرة والتعامل مع الإرهابى وإنقاذ الضحايا.