إيمان كمال تكتب: الديزل والبدلة.. عفوا أرقامكم لا تصنع تاريخنا
فى آواخر السبعينيات مرورًا بالثمانينيات وحتى التسعينيات استطاع عادل إمام لسنوات طويلة عبر تاريخه أن يكون صاحب أعلى إيرادات فى السينما، ولن أقول الكلمة الدارجة «تاريخ السينما» لأن الحكم هنا بكل تأكيد هو ظالم وغير دقيق.
وقتها قدم عمالقة مثل أحمد زكى ومحمود عبد العزيز ونور الشريف وآخرون أفلاما تحمل قيمة فنية وأعمالا أخرى بنكهة تجارية، ولم يحصل أى منهم على لقب «نمبر 1»، فكان شغلهم الشاغل هو تقديم اعمال تظل فى ذاكرة السينما وليس مجرد فيلم يمر مرور الكرام، وإن كان بكل تأكيد لكل نجم إخفاقاته واختياراته التى ربما لم تكن صائبة.
فى الماضى كنا نتحدث عن فنانين صمدت نجوميتهم لعشرات السنوات وليس لفترة عابرة، فلكل نجم فترة توهج تنتهى لصالح حسابات السوق و»الشاطر» من يهتم بالتجديد للحفاظ على بقائه أكبر وقت ممكن.
السنوات الأخيرة وأنا أتابع الحرب على الإيرادات بين الجيل الحالى، اتذكر من سبقوهم.. ربما لم يحققوا الايرادات الخيالية ولم يحصلوا على الأجور الوهمية التى يحصل عليها الجيل الحالى، وبكل تأكيد كان هناك صراع ومنافسة، فكل نجم لابد وأن يحقق إيرادات جيدة للحفاظ على أجر مناسب ،لكن الهوس بفكرة الملايين والاعلى أجرا جعلت المادة فقط هى الفيصل، فلم يعد يرى النجم إلا نفسه فقط، وبالكاد بات يرى جمهوره الذى صنع كل هذه الهالة حوله.
مؤخرا الحرب بين فيلم «الديزل» لمحمد رمضان وفيلم «البدلة» لتامر حسنى أصبح هو الشغل الشاغل لصناع هذه الأعمال، وأنا أتابع جالسة فى مقعد المتفرجين هذه الحرب اتساءل ما قيمة هذه الافلام فنيا كى تستحق كل هذه الحرب؟
عادل إمام انتبه للمعادلة فبعد أن كان يهتم بالأجر والايرادات ركز ايضا على اعمال مثل «المنسى والمشبوه وطيور الظلام وكراكون فى الشارع والأفوكاتو» فاستطاع تحقيق المعادلة بتقديم افلام لا تحمل معنى «السبوبة» افلام حققت علامة.
بينما لم يصنف نور الشريف نفسه كنجم الشباك الذى لا يتنازل عن المركز الاول والأوحد والأعظم، بل ظل يسير بخطوات ثابتة وعلامات جعلته من اهم النجوم فى تاريخنا مثل «ضربة شمس وآخر الرجال المحترمين وكتيبة الإعدام» فكان النهم وعشق الفن كفيلا بأن يجعله الأول، وهى نفس تجربة محمود عبدالعزيز الذى لم يحقق أعلى الإيرادات بحسابات السوق والأموال، وإنما حفر اسمه فى تاريخ الفن المصرى بافلام مثل «الكيت كات والساحر وسيداتى انساتى»، وأحمد زكى الذى قدم مثلا فيلم «الامبراطور» ولم يطلق على نفسه بعدها لقب امبراطور السينما! فهو صاحب افلام مهمة فى السينما المصرية مثل «أرض الخوف والبيضة والحجر والهروب وضد الحكومة» وءعمال كثيرة لا يمكن أن تنسى.
الحرب على الإيرادات مشروعة والسعى وراء الأجر الأعلى أيضا مشروع لمن يريد، لكن لماذا لا يفكر نجومنا فى الحرب على الايرادات بتقديم اعمال تحمل القيمة الفنية وتحمل أفكارا مختلفة؟
شاهدت الفيلم اللبنانى القضية 23 ذى اونسلت والمرشح لجائزة أفضل فيلم أجنبى فى الاوسكار 2018، وأنا اتساءل أين أصبحت السينما المصرية؟ أين أصبحنا من المنافسة الحقيقية؟ فلا يمكن أن تتحول المنافسة لصراع على الفلوس والأرقام والألقاب؟
أحببت كثيرا جملة قالها لى آسر ياسين وأنا اسأله لماذا لم تتحدث عن الايرادات فقال بأنها بكل تأكيد مهمة لكنى اهتم بأن اجد العمل الذى يحفر فى تاريخ السينما ويحقق ايضا نجاحا جماهيريا أى يحمل القيمة الفنية والتجارية.
رمضان «الاسطورة والملك والديزل والكنز» نجم موهوب عليه ان يدرك بأن السقوط المتكرر ليس لصالحه وأن الايرادات ليست الفيصل الوحيد، فلو قدم فيلما حقيقيا يحمل قيمة سيظل اهم من الايرادات وسيحمل لقبا حقيقيا بداخلنا بدلا من ألقاب «فقاعات هواء».. إما تامر حسنى فكان أكثر ذكاء فترك منتج «البدلة» يخوض الحرب بعيدا عنه، فهو يدرك أن أفلامه ليست سيئة ولكنها افلام تعجب جمهوره ومحبيه وهى التيمة التى نجح بها.