أطفال الشوارع قنابل موقوتة فشلت الدولة في حلها.. برلماني: مشكلة أمن قومي كبرى.. وخبير نفسي: العنف سبب التشرد
قنبلة موقوتة تؤرق الدولة، قد تنفجر في أي وقت لتصبح كارثة لا يحمد عقباها، أطفال الشوارع.. الأزمة التي فشل في حلها جميع المسئولين المتعاقبين، لا حل ولا علاج قادر على القضاء عليها، وعود وخطط وهمية تُجمل وجه المسئول، إلى أن يترك المنصب، لتبقى كما هي تزيد وتتفاقم إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.
أطفال الشوارع، مشروع خارجين عن القانون، وجناة مستقبل، تجدهم في التسول والسرقة وتجارة المخدرات عرضة لكل تلك الجرائم، وما كان أكثرهم في كل أعمال العنف والتخريب التي حدثت خلال ثورة 25 يناير، ونشط تواجدهم خلال فترة الإنفلات الأمني التى شهدتها مصر، وعجت الشوارع بالأطفال المتسولين والهاربين من الملاجئ ودور الرعاية المختلفة، إلى جانب انتشار المشردين في الشوارع وأماكن التنزه والمقاهي.
الضرب والقسوة التي يتعرض له الأطفال في صغرهم، قد يدفعهم إلى الشارع، كملاذ آمن من وجهة نظرهم، يحقق ولو جزء بسيط من الشعور بالأمان، بحسب دراسات وأبحاث كثيرة، تحدثت عن تلك الظاهرة.
سعيد إبراهيم 13 عامًا.. ترك والده الذي أشبعه عنفًا ووالدته التي تخدم في المنازل، ليجد ما ينقصه في الشارع، تعرف على «إسلام» 15 عامَا يتخذ من أسفل كوبري الدقي مقرًا له، ليتشاركان سويًا في كسب قوت يومهما من الأعمال الحرة –حسب قوله- يجلسان على أحد أرصفة شارع التحرير، ينتظران قدوم سيارة ليساعدا سائقها في ركنها، وأحدهما يتولى مسح زجاجها، يرفضان التصوير، بمبرر عدم تعرضهما للأذى من قبل أسرتيهما إذا تعرفا عليهما ومكان هروبهما.
ويقول «سعيد» -متسخ الثياب والوجه، أشعث الشعر، من آثار الجلوس على الأرصفة، والوقوف في الشمس- إنه ترك منزله لأن والده كان قاسيا معه في المعاملة، لا ينفك يضربه يوميًا في كل موقف يواجهه حتى ولو كان صغيرًا، فقرر ترك المنزل ليشعر بالأمان الذي يريده.
ويضيف أنه يحصل يوميًا من عمله على أكثر من 50 جنيهًا لم يكن ليحصل عليها في البيت، وأن مسح زجاج السيارات هو مصدر تلك الأموال.
ونفى أن يكون قد عُرض عليه أي عمل مشبوه كتجارة المخدرات أو غيره، من قبل أي شخص، موضحًا أنه لم يذهب إلى منزله في جزيرة الوراق، منذ تركه، في 2015.
«إسلام» رفيقه في الرصيف، يقول إنه من أسرة فقيرة في صفط اللبن، والده يعمل باليومية ووالدته ربة منزل، هرب من منزله، لسرقته هاتف والده، للحصول على مال ليشتري هاتفا له، وعندما علم والده، أبرحه ضربًا فقرر ترك المنزل.
ويواصل أن الشارع ساعده في توفير المال الذي يريده، وأنه لم يكتف بمهنة «ركن السيارات» بل يساعد سكان المنطقة في توصيل طلبات أو تنظيف البيوت، إن لزم الأمر.
برلماني: يجب تحرك الدولة
النائب شريف الورادني، أمين سر لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، قال إن ظاهرة أطفال الشارع من الظواهر الاجتماعية المهمة، الآخذة في النمو ليس فقط على مستوى البلدان النامية وإنما أيضاً في الدول الصناعية المتقدمة وهي قضية مجتمعية بامتياز ذات أبعاد (تربوية، ثقافية، اقتصادية، سياحية) ومعالجتها تستلزم علاجا شاملا متعدد الأبعاد تبدأ بالوقاية والتدخل وصولاً إلى تأمين إعادة التأهيل والاندماج.
وأضاف في بيان له اليوم، أن الأطفال هم أساس قيام المجتمعات، ويمثلون فئة عمرية مهمة تحتاج بشكل كبير للعناية والرعاية وتوفير جميع الحقوق، ومنع كافة أشكال العنف والاستغلال تجاه الأطفال وحمايتهم من الشارع وتطوير برامج لإيجاد الأطفال المحتاجين للحماية وتزويدهم وكذلك أسرهم بالمساعدة وإنشاء مراكز لإعادة تأهيل أطفال الشوارع.
وطالب بضرورة وضع حلول لمواجهة تلك الظاهرة، حيث يجب أن تتحرك الدولة ويتحرك المسئولين بها، لوضع حل سريع لهؤلاء، والبدء فى جمعهم وحمايتهم، ورعايتهم وتعليمهم، وأن يؤهلوا القائمون على رعايتهم على التعامل معهم برحمة وبلطف وبطمأنتهم ليستجيبوا للحياة، التي سيدخلونها في مؤسسات التربية والإصلاح، والاستفادة بطاقاتهم في إدارة عجلة الإنتاج للدولة.
«سليم»: قضية أمن قومي كبرى
بدوره قال محمد سليم، عضو مجلس النواب، إن الظاهرة أصبحت قضية أمن قومي كبرى، وقنابل موقوتة إذا لم يتم تعليمهم وتنميتهم وإدماجهم في المجتمع.
وأضاف في خطاب وجهه إلى وزيرة التضامن الاجتماعي، أن ظاهرة أطفال بلا مأوى، بدأت في السنوات الأخيرة، تتزايد في محافظات الصعيد، وخاصة مدينة كوم أمبو بمحافظة أسوان، والتي تعتبر من المدن ذات الكثافة السكانية العليا، والجاذبة لفئات عديدة من المواطنين من محافظات مختلفة للعمل بصناعة السكر.
وطالب بسرعة بالموافقة على إنشاء دار لإيواء ورعاية هؤلاء الأطفال والعمل على تأهيلهم علميًا وبدنيًا وإعدادهم فنيًا ومهاريًا وتمكينهم اجتماعيًا بما يمكَّنهم من الاندماج في المجتمع ليكونوا مواطنين صالحين، وذلك في إطار إعلاء القيادة السياسية من أهمية التنمية المستدامة في صعيد مصر وبخاصة جنوب الصعيد، باعتبارها من المناطق النائية والمحرومة، وبخاصة للفئات المهمشة والضعيفة والأكثر احتياجًا.
واقترح الاستعانة بخبرات القوات المسلحة الباسلة في تأهيل هؤلاء النشء واعدادهم وتوفير التعليم المهني والحرفي لهم ليكونوا نواة في المشروعات القادمة.
خبير نفسي: القائمون على تربية الأطفال سبب تشريدهم
في سياق آخر، قال الدكتور وليد هندي، الخبير النفسي، إن القائمين على التربية سواء المدرسة أو المنزل، هم السبب الرئيسي وراء تشرد وضياع الملايين من الأطفال، الذين يدفعون ثمنا باهظا لتلك الطرق غير السوية في التربية والأساليب الخاطئة في النشأة سواء من الوالدين كالضرب والزجر والطرد للمبيت خارج المنزل ودفعهم للعمل في بعض الأحيان ليصبحوا أحد مصادر الدخل لدى الأسرة، أو من المدرسة حيث تجد جمود المنهج التعليمي وعدم إلمام بعض المعلمين بأساليب التربية السليمة، الأمر الذى جعل من المدرسة مصدر طرد دفعهم إلى الهروب أثناء اليوم الدراسي، ويتطور الأمر إلى تشرد وتدخين وإدمان، وهو ما يترتب عليه مشكلات نوعية أخرى كالاعتداء الجنسي والمشكلات من قبل الخارجين عن القانون.
وأورد أن الطفل عندما يشعر بالظلم في الصغر يصبح ناقمًا على المجتمع برمته، ويتحول سلوكه إلى سلوك عدواني، وسوف يحمل ملامح وصفات شخصية سيكوباتية، ويكون لديها سلوكا مضادا للمجتمع نتيجة للرغبة في الانتقام من أجل إثبات ذاته وقدرته على الانتصار على الآخرين والتنكيل بهم، مؤكدًا ضرورة احتواء الأبناء وكيفية التعامل النفسي معهم والعمل على إشباع حاجاتهم النفسية الأساسية، وعدم استخدام الأساليب التربوية الخاطئة كطردهم خارج المنزل حتى لا تتلقاهم أيادي الخارجين عن القانون، والاستغلال من قبل أباطرة المخدرات وتجار الأعضاء.
وطالب وزارة التعليم، بعمل دورات تدريب للمعلمين والإداريين لثقل مهارتهم فى كيفية التعامل التربوي السليم مع الأطفال في كل المراحل العمرية على حدة، وطالب بتعديل قانون الأحداث ليشمل العقوبات المباشرة عن الطفل الحدث وكل من يقوم باستغلاله.