إيمان كمال تكتب: تبقى متحرش ولا لوطى
سبعة من الأصدقاء يجتمعون ويقررون فجأة بأنهم سيتشاركون فى وضع هواتفهم المحمولة ويتشاركون فى المكالمات الهاتفية والرسائل على الملأ بحيث تصبح متاحة للجميع، يقرر أحد الأزواج أن يستبدل هاتفه مع صديقه العازب كى لا ينكشف أمر المرأة التى تراسله بصورة لها أمام زوجته التى تجلس إلى جواره ولم يكن يدرك أن صديقه على موعد غرامى مع «صديق له» ليفاجأ برسالة تجعلهم يعتقدون بأنه مثلى الجنس، ويرفض أن يوضح حقيقة الأمر وبأن هذا الهاتف يخص الصديق الأعزب، ليكشف عن القناع والوجه الحقيقى لأصدقاء عمره وزوجته الذين يصدمون فى كونه «لوطي» كما اطلقوا عليه، ساعات عاشها هذا الزوج أمام من حوله وهو يتعرض للوم والاعتراض والصدمة،قبل أن يكشف صديقهم بأنه هو المثلى وبأنه يرفض أن يعرفهم على الشخص الذى يحبه كى لا ينجرح، فى الفيلم الإيطالى Perfect Strangers «غرباء بالكامل» يكشف الوجه الآخر للبشر والتناقضات بين ادعاء الحرية وبين تقبل الآخر كما هو وكيف أن لكل منا فى حياته اسرار غامضة تفضحها التكنولوجيا التى باتت تسيطر على حياتنا.
تذكرت جيدا هذا الفيلم وأنا أقرأ خبر نائب البرلمان الذى تقدم بمشروع لمحاربة «الشذوذ» كما يقول –مثليى الجنس-بعدما أصبح ظاهرة فى مصر وأن تكون عقوبة هذا الفعل الحبس لمدة عامين وغرامة،وأن من يروج للأمر ايضا لابد أن يقع تحت طائلة القانون.
بالتأكيد هنا لا أقول إننى اشجع على المثلية أو اقول للمجتمع لنصبح مثليين فهو امر قد يكون للكثيرين وللطبيعة البشرية غير مقبول حتى وإن حاولت بعض الدول التحرر من الحجر على حرية الاشخاص الجنسية فلا يمكن للدول العربية أن تتقبلها بسهولة،وأن تعترف أنهم بشر لهم حق الحياة وحق الحرية فى اختيار ميولهم الجنسية التى اصبحوا عليها مادام لم يتحرشوا بالآخرين، فمنذ أسابيع قليلة قامت الدنيا حينما رفع علم المثلية فى حفل فريق «مشروع ليلى» وانتهى بقرار منعهم من الغناء فى مصر،ومؤخرا أيضا قام محام شهير معروف بإثارة الجدل بتصريح حول أن التحرش بمن تخرج ببنطلون ممزق هو واجب واغتصابها أمن وطنى.
لم أندهش أبدا من تلك التصريحات ولم اندهش ايضا بمناقشة القوانين التى تجرم الحرية الشخصية، لكننى اندهشت من نفسى أنا التى ادعى القوة الكافية لمواجهة الحياة وأنا اسير لأول مرة فى أحد شوارع السيدة زينب قبل أيام.. كنت فى طريقى لأشترى بعض الأشياء فلم أذهب إلى هذا الحى المزدحم مطلقا،فأصبحت اخشى الزحام اخشى البشر. .نصف ساعة من العذاب وأنا احذر من يسير بجوارى وأنا أرى فى خيالى الأيادى تنتهك جسدى وتنهش لحمى،كما اعتادوا فى الزحام لا انكر أننى يومها لم اتعرض للتحرش أو المضايقات، ولكننى صعقت للخوف الذى تسرب داخلى هذا الخوف الذى يلازمنى فى الزحام خوفا ممن يعبثون بأجساد الفتيات ممن يطلقون ابشع الالفاظ على مسمع ومرأى من الجميع دون أن رد فعل.
قبل أيام كنت عائدة من عملى فى طريقى لحضانة ابنتى الصغيرة، فى العادة القريبون يعلمون بأننى لا اجيد وضع المساحيق وأفضل الملابس الفضفاضة المريحة فى العمل فلم اكن ارتدى ما اعتبره المحامى الشهير ضرورة وواجبا للاغتصاب والتحرش -عفوا _ (وإن كان اللبس حرية شخصية) - لكننى فوجئت بسيارة تقف على الطريق أمام اشارة مرور يطلب الموجودون فيها أن اركب معهم ونقضى ليلة «ظريفة».
الأمر لم يكن به تعدٍ جسدى.. أعلم تماما.. لكن نفسيا شعرت بروحى تختنق فكيف لهم أن يجعلوا منى عاهرة على مرأى ومسمع الجميع ولم يتحرك أحد، كيف فى لحظات حولونى لامرأة تبيع جسدها للغرباء وانتهكوا حرمة روحى وقلبى وجسدى دونما رقيب أو محاسبة!
أصبحت اخشى الغرباء ممن يمتصون أجسادنا اشعر بالتعرى دوما فى الزحام اشعر بأن جسدى مباحا لهم أصبحت أجبر نفسى على الابتعاد عنهم كى لا انزعج وانا اتساءل من يحمينا؟ من يهتم بوضع القوانين التى تعاقب المتحرش من يأخذ حقنا وحق اجسادنا،من يعطينا الحرية فى أن نسير فى شوارعنا بأمان مطلق دون خوف؟ أم انكم لا تأمنون على ابنائكم وبناتكم من مثليى الجنس بينما تأمنون على اجسادنا من العابثين بها؟!.