نفي الخديوي إسماعيل.. ورجوعه ميتاً
أدت سياسة الخديوى اسماعيل المالية إلى تحالف الدول الأوروبية مع السلطان العثماني على ضرورة عزله عن حكم مصر، وأصدر السلطان فرمانه في 26 يونيو 1879 بعزل إسماعيل عن الحكم، وتنصيب ابنه الأكبر محمد توفيق باشا على مصر.
وجاء نص التلغراف الذي ورد من الآستانة كالتالي: "إلى سمو إسماعيل باشا خديو مصر السابق، إن الصعوبات الداخلية والخارجية التي وقعت أخيراً في مصر قد بلغت من خطورة الشأن حداً يؤدي استمراره إلى إثارة المشكلات والمخاطر لمصر والسلطنة العثمانية، ولما كان الباب العالي يرى أن توفير أسباب الراحة والطمأنينة للأهالي من أهم واجباته ومما يقضيه الفرمان الذي خولكم حكم مصر، ولما تبين أن بقاءكم في الحكم يزيد المصاعب الحالية، فقد أصدر جلالة السلطان إرادته بناء على قرار مجلس الوزراء بإسناد منصب الخديوية المصرية إلى صاحب السمو الأمير توفيق باشا، وأرسلت الإرادة السنية في تلغراف آخر إلى سموه بتنصيبه خديوياً لمصر، وعليه أدعو سموكم عند تسلمكم هذه الرسالة إلى التخلي عن حكم مصر احتراماً للفرمان السلطاني".
ثلاثة أيام أمضاها إسماعيل في الاستعداد للسفر، وجمع كل ما استطاع من المال والمجوهرات والتحف الثمينة من القصور الخديوية، ونقلها إلى اليخت ( المحروسة )، وهي الباخرة نفسها التي أقلته من قبل مراتٍ عدة إلى سواحل أوروبا وهو في قمة المجد ، ولأن السلطان العثماني رفض استقبال الخديو المخلوع في الآستانة فقد غادر اسماعيل مصر يوم 30 يونيو سنة 1879 متجهاً مع زوجاته وحاشيته من الإسكندرية إلى نابولي، وهي المدينة نفسها التي استقبلت حفيده فاروق في 26 يوليو تموز 1952، لم ييأس إسماعيل، وظل يرسل التماساً وراء الآخر من منفاه في أوروبا، حتى تعطّف السلطان عبد الحميد الثاني أخيراً ووافق على حضوره للآستانة التي انتقل اليها عام 1888 للإقامة بقصر إميرجان المطل على البوسفور.
وبعدما قضى نحو 16 عاماً في منفاه ، لم يعد إسماعيل إلى مصر إلا ميتاً، حيث دُفِنَ في مسجد الرفاعي، وإذا كان إجمالي ديون عهد إسماعيل باشا بلغ 91 مليون جنيه، فإنه ظل حتى وفاته ينعم بلقب أغنى رجال مصر.