حسين معوض يكتب: دواليب ديلرات الدولار الأسود
■ حجم السوق السوداء 20 مليار دولار.. والدولار فيها يباع ويشترى 3 مرات قبل أن يصبح عملة للاستيراد
■ بعض البنوك مازالت تطبق القرار الملغى بعدم إيداع أو سحب أكثر من 10 آلاف دولار يومياً
■ ..وبعض تجار السوق السوداء يتحايلون على القرار الملغى بتوزيع العملة على عدد كبير من حسابات الزبون
هل يعرف البنك المركزى عدد دولارات السوق السوداء؟.. هل شغلت الحكومة نفسها وأجهزتها الرقابية لمعرفة حجم السوق التي ندفع ثمن تقلباتها من جيوبنا؟.. الاجابة فى منتهى القسوة.. لأن الجميع يعرف قواعد اللعب فى هذه السوق، وأبطالها، ومصادر دولاراته، وكيف تتجدد ثروات التجار فيها؟.
كل التقديرات التى خرجت بشكل رسمى لحجم تحويلات المصريين فى الخارج تقول إنها تقترب من 20 مليار دولار، الرقم جاء على سبيل الحصر فى بيان رسمى لجهاز التنظيم والإدارة خلال الإعلان عن نتائج المسح القومى للهجرة الدولية، وقدر هشام رامز المحافظ السابق للبنك المركزى تحويلات المصريين فى الخارج بـ 18 مليار دولار وقال إنه لا يدخل الجهاز المصرفى منها سوى 1.5 مليار، وهو ما يعنى أن دخل السوق السوداء من دولارات المهاجرين تصل إلى 16.5 مليار دولار.. ويدخل معها فى حسابات السوق السوداء بعض عوائد شركات السياحة والبازارات التى تظل دائما مصدرا للدولارات الصعبة.. ولا تتجاوز دخل السوق السوداء من دولارات السياحة الآن 2.5 مليار دولار.. يضاف إليها بعض عوائد الصادرات التى تتسرب خارج القطاع المصرفى وبعض دولارات البنوك التى يحصل عليها بعض العملاء المدربين لشركات السمسرة.
وفى كل الأحوال تدور حجم سوق الدولار الأسود فى حدود 20 مليار دولار.. وهى تغطى 25% من قيمة واردات مصر سنويا والتى تقدر بـ80 مليار دولار يوفر منها البنك المركزى 60 مليار دولار والتى يتحصل عليها من خلال عوائد قناة السويس والصادرات والسياحة والاستثمار الأجنبى المباشر وغير المباشر .
1- تدوير الدولار
كل دولار فى السوق السوداء يباع ويشترى 3 مرات على الأقل قبل أن يتحول إلى عملة مقايضة مقابل البضائع المستوردة، تاجر كبير قادر على جمع الدولار من كل مصادره المتاحة سواء مشروعة أو ممنوعة، يليه تاجر وسيط حسب المنطقة أو حسب السوق، ثم الديلر الذى يتولى عملية التسليم والاستلام وغالبا يكون له مقر أو «دولاب» أشبه بدواليب المخدرات، وغالبا أيضا يكون له زبائن مستقلون بعيدا عن الوسيط.. ليصل الدولار بعدها للمستورد.
وبالطبع سعر الدولار فى يد كل تاجر منهم يختلف عن الآخر فأقل سعر للدولار الأسود يكون عند التاجر الكبير، ليرتفع السعر قليلا فى يد التاجر الوسيط، ويرتفع مرة ثانية فى يد الديلر، وغالبا تطبق قواعد صارمة فى هوامش ربح كل الأطراف التى تلى الرجل الكبير بحيث لا يفقد سيطرته على السعر، فهو دائما المتحكم فى السوق.
ويشبه العالم الأسود للعملة أفلام بدايات السينما العربية، فيه دائما رجل كبير خفى لا يعرفه إلا وسطاء تجارته، وحتى الوسطاء لا يعرفون مصدر دولاراته وعملاته الأخرى، وغالبا تتحرك السوق باتفاق عدد من «المخفيين»، المهم أن العملاء أو المستوردين لا يعرفون غالبا من هو التاجر الكبير، يكتفون بالتواصل مع الديلارات ويعرفون أن قضاء مصالحهم وتوفير عملتهم مرهونة بعدم السؤال أو البحث عن «الكبير»..
مثلا سمسار عقارات شهير فى منطقة شبرا هو أكبر تاجر عملة يقوم بتوريد الدولار الأسود للمستوردين الذين تقع مكاتبهم شمال القاهرة.. ولا يعرف المستوردون مصدر دولارات السمسار.. يعرفون فقط أنه ليس له سقف فى التمويل حتى لو وصل الرقم لعشرات الملايين من الدولارات المهم أن يكون بأعلى سعر فى السوق السوداء.
بخلاف الرجل المخفى وديلراته يوجد تجارة تقليدية للعملة على نواصى الشوارع التى توجد بها شركات صرافة، قد يكون الديلر فى تلك الحالات سايس جراج أو صاحب كشك سجائر أو حتى متنكرا فى زى عامل نظافة.
2- بورصة العملة
صديق يعمل فى استيراد قطع غيار السيارات قال لى إنه يعتمد بشكل أساسى على ديلر من مدينة المنصورة، يأتيه صبى الديلر خلال ساعتين راكبا سيارة أجرة ميكروباص حاملا داخل ملابسه ما يريد من دولارات بسعر السوق السوداء، ويعود الصبى حاملا القيمة بالمصرى فى شنطة سفر وبشكل معلن، وقال المستورد إن لجنة من المباحث فتشت السيارة الميكروباص ووجدت الصبى معه كمية أموال كبيرة «جنيهات» وسألته عن سر حمل تلك الأموال فقال لهم إنها ثمن بضاعة فتركوه.. وأكد صاحب شركة الاستيراد أن الدولار الاسود له بورصة شبه معلنة بحيث لا يختلف فيها السعر من شرق مصر إلى غربها، خاصة عندما يكون الزبون المشترى من كبار رجال الأعمال دائمى التعامل فى هذه السوق.. ويؤمن المتعاملون فى هذه السوق أن سلعتهم تتحرك مثل أى سهم فى سوق الأوراق المالية.
3- التحايل على البنوك
فى الغردقة تاجر سيارات شهير يلجأ له كبار المستوردين فى القاهرة لفك كربهم وجلب العملة السوداء، يجمع رجل الغردقة «س. ر» دولاراته من البازارات هناك، ويحولها عبر السوق السوداء إلى المستوردين..
كان تاجر السيارات يقوم بوضع المبلغ المطلوب فى عدد من الحسابات المملوكة للمستورد، بحيث لا يتجاوز الإيداع 10 آلاف دولار يوميا، وهو ما كان مسموحا به من البنك المركزى خلال رئاسة هشام رامز له.. الآن تم إلغاء القرار ويضع الرجل المبلغ المطلوب دفعة واحدة فى حساب الزبون مقابل استقبال القيمة على حسابه فى البنك بسعر السوق السوداء.
الغريب أن القواعد الجديدة للإيداع والسحب بالعملة الصعبة لا تطبقه بعض البنوك حتى الآن ومازالت تعمل بالقرار الملغى للمحافظ السابق هشام رامز.. الأغرب أن بعض كبار المديرين فى البنوك الصغيرة يتاجرون فى العملة من خلال حيل يعرفها.
4- جريمة دولية
لتغذية السوق السوداء يبتكر التجار وتابعوهم من الديلرات طرقا وحيلا عالمية، منهم من يجمع دولارات العاملين فى الخارج ويضعونها فى بنوك أجنبية فى بلاد المهجر، ويصل إلى أهل المهاجر قيمة العملة فى مصر بسعر السوق السوداء، وباستخدام فواتير مضروبة يتم تحويل الدولارات إلى المستورد فى مصر حتى يتمكن من تحويلها من حسابه إلى بلاد الاستيراد وغالبا هى الصين.. الوضع الأكثر قسوة هو عدم تحويل الدولارات إلى حساب المستورد فى مصر من الاساس بحيث يقوم الوسيط فى بلاد المهجر بتحويل الدولارات مباشرة إلى بلاد الاستيراد على حساب المستورد لتصبح المعادلة هكذا: «المستورد يدفع ثمن البضائع المستوردة بما يوازى قيمة العملة فى السوق السوداء لأهل مهاجر لا يعرفه ولا يربطه به سوى التاجر الوسيط الذى يحول الدولارات لدولة الاستيراد».