بوابة الفجر

مساعد رئيس حزب الأمة القومي السوداني لـ "الفجر":الحرب والانقسامات تهدد السودان… والحل السياسي الفوري هو الطريق لإنهاء الأزمة(حوار)

الدكتور عبدالحليم
الدكتور عبدالحليم عيسى تيمان-الفجر

 


استمرار القتال يهدد انهيار الدولة.

 

الحل السوداني-السوداني الطريق الأمثل لإنهاء الصراع.

 

المبادرة الرباعية: فرصة لإنقاذ السودان واستعادة المسار الديمقراطي.

 

السلام لا يكتمل دون عدالة ومحاسبة وإنصاف الضحايا.

 

فشل الاتفاقات السابقة بسبب التدخلات الخارجية والصراعات الداخلية.


قال الدكتور عبدالحليم عيسى تيمان، مساعد رئيس حزب الأمة القومي، إن استمرار القتال في السودان سيؤدي إلى انهيار الدولة وتلاشيها، مشددًا على أن الحل السياسي الفوري هو السبيل الوحيد لإعادة المدنيين للسلطة ووقف نزيف الدماء، مضيفًا أن الحل السوداني-السوداني يبقى الطريق الأمثل لإنهاء الصراع، لكن تحقيقه يتطلب توحيد الصف المدني والسياسي وتحجيم أي دعم إقليمي سلبي، محذرًا من أن التدخل الخارجي أصبح عقبة حقيقية أمام استقرار البلاد.

وأكد تيمان في حواره لـ "الفجر" أن المبادرة الرباعية تمثل أفضل فرصة لوقف النزيف وتحقيق حل سياسي يعيد السودان إلى المسار الديمقراطي، مشددًا على أن القيادات السودانية العقلانية يجب أن تغتنم هذه الفرصة فورًا، مشيرًا إلى أنه لا يمكن بناء سلام دائم أو مستقبل ديمقراطي مستدام دون عدالة تنصف الضحايا وتعالج ذاكرة الألم المرتبطة بجرائم الحرب والانتهاكات منذ الاستقلال

إلى الحوار...

كيف تقيّمون الوضع السياسي الراهن في السودان؟ وهل تعتقدون أن البلاد وصلت إلى لحظة حاسمة تتطلب إعادة صياغة المشهد بالكامل؟


الوضع السياسي في السودان يتسم بالتعقيد الشديد، إذ يستمر القتال بين الأطراف المتحاربة، في الوقت الذي فشلت فيه جميع المبادرات الرامية إلى إنهاء الصراع، سواء تلك التي عُقدت في جدة أو القاهرة أو المنامة، في تحقيق وقف لإطلاق النار أو إطلاق عملية سياسية تُعيد المدنيين إلى السلطة. وفي الوقت نفسه، لا تزال القوى المدنية والسياسية منقسمة وغير قادرة على ان تتحد تحت مظلة واحدة.

وقد أدت هذه الظروف إلى وصول البلاد إلى مرحلة حرجة، مع تداعيات كارثية شملت الجوع وسوء التغذية وانتشار الأمراض، وانهيار النظام الصحي والتعليمي، وضياع جيل كامل، بالإضافة إلى ملايين النازحين واللاجئين، وتدهور الاقتصاد، وانتهاكات جسيمة في حق المواطنين، وانتشار السلاح وتكاثر الميليشيات المسلحة. وفي ظل هذه المعطيات، فإن استمرار القتال سيؤدي بلا شك إلى انهيار الدولة وتلاشيها.

المشهد السوداني -الفجر 
المشهد السوداني -الفجر 

هل قام حزب الأمة بدوره الوطني خلال الحرب كما يجب، أم أخفق في لحظات مفصلية كان من الممكن أن تغيّر مسار الأحداث؟
 

سعى حزب الأمة القومي بجهود كبيرة لإنجاح الفترة الانتقالية في السودان، حيث دعا في أبريل 2020 إلى عقد مؤتمر تأسيسي لقوى الثورة من الموقعين على ميثاق الحرية والتغيير، بهدف تحقيق الإصلاحات المطلوبة لمواجهة تحديات الفترة الانتقالية. 

 

وبعد انقلاب 25 أكتوبر 2021، طرح الحزب خارطة طريق لاستعادة الشرعية وإكمال الفترة الانتقالية، إلا أنها اصطدمت بشعار "اللاءات الثلاثة" المتمثلة في: لا تفاوض، لا شراكة، لا مساومة.

كما بذل الحزب جهودًا مشتركة مع حلفائه في الحرية والتغيير عبر لجان عمل مشتركة لخفض التوتر بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان ونائبه آنذاك محمد حمدان دقلو "حميدتي"، لتفادي انزلاق البلاد نحو الحرب. ورغم كل هذه المجهودات، وللأسف، حدث ما كان الحزب يسعى جاهدًا لمنعه.

حزب الأمة القومي السوداني 
حزب الأمة القومي السوداني 

ما موقف حزب الأمة من مبادرات وقف إطلاق النار، وهل ترون أنها تستجيب لإرادة الشارع أم تتجاهلها؟


كان حزب الأمة من أوائل الداعمين لمبادرة جدة، حيث ظل يواصل تشجيع كافة الجهود الرامية إلى وقف الحرب في السودان. ويرى الحزب أن "المبادرة الرباعية" تمثل أفضل فرصة متاحة لوقف نزيف الدم ووقف الدمار الذي حل بالبلاد، بالإضافة إلى معالجة الآثار القاسية للصراع على حياة المواطنين. كما تشكل المبادرة فرصة حقيقية للوصول إلى حل سياسي يعيد السودان إلى المسار الديمقراطي، مؤكدًا على أهمية أن تستفيد القيادات السودانية العقلانية من هذه الفرصة لدعم الحلول السلمية.

الحرب السودانية -الفجر 
الحرب السودانية -الفجر 

هل تعتقدون أن الحل يجب أن يكون سوداني–سوداني خالص، أم أن الأزمة تجاوزت قدرة الداخل وباتت بحاجة لدور دولي ضاغط؟


يؤكد حزب الأمة أن الحل السوداني–السوداني هو الأنسب لإنهاء الصراع في البلاد، غير أن تحقيقه يستلزم أولًا توحيد الصف السياسي والمدني.

كما يشدد الحزب على ضرورة تحييد أي دعم إقليمي سلبي يقدّم للأطراف المتنازعة، مشيرًا إلى أن التدخلات الخارجية أصبحت عقبة حقيقية أمام جهود تجاوز الخلافات الداخلية وإعادة السودان إلى الاستقرار.

 

الوضع في السودان -الفجر 
الوضع في السودان -الفجر 


ما مدى وحدة حزب الأمة اليوم؟ وهل يعاني الحزب من انقسامات داخلية صامتة تؤثر على مواقفه السياسية؟


على المستوى العام، تؤثر الحروب الداخلية بشكل كبير على الأحزاب السياسية والمكونات الاجتماعية في أي بلد، ويظهر ذلك جليًا في حرب 15 أبريل التي سببت خلافات داخل حزب الأمة القومي حول الموقف من طرفي النزاع وسبل حل الصراع. فهناك مجموعة تؤيد "تحالف تأسيس"، بينما تدعم مجموعة أخرى الجيش وتعتقد أن الحل السياسي ممكن بعد حسم الصراع العسكري.

أما التيار الأكبر من قيادات الحزب، فيؤكد على استقلالية الحزب عن طرفي الحرب ويراهن على الحل السياسي كسبيل لوقف النزيف واستعادة الشرعية المدنية؛وفي نفس الوقت، تُبذل جهود داخلية لمعالجة الخلافات والانخراط في حوارات تضمن الالتزام بإرث الحزب، والتحرك لوقف الحرب دون الانحياز لأي طرف، وتنشيط العمل التنظيمي داخله.

ما أهم أولوياتكم في أي تسوية سياسية قادمة؟ وهل تشمل محاسبة أي طرف ارتكب جرائم أم القبول بتسوية سياسية تتجاوز العدالة؟


تحديد الأولويات يمثل خطوة بالغة الأهمية في أي تسوية سياسية، ويجب الاتفاق على مجموعة من الأولويات الرئيسية، على رأسها وقف إطلاق النار، وفتح الممرات الإنسانية لإغاثة المتضررين، واستعادة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والصحة والتعليم، وضمان انتظام دفع رواتب العاملين. كما تشمل الأولويات إخراج الجيش من العملية السياسية، وتأسيس جيش مهني واحد، وإعادة السلطة لحكومة مدنية تتحكم في جميع مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسات العسكرية والأمنية.

وفيما يخص العدالة والمحاسبة، يؤكد الحزب أن بناء سلام دائم ومستقبل ديمقراطي مستدام لا يمكن أن يتحقق دون تحقيق عدالة تنصف الضحايا وتعالج ذاكرة الألم المرتبطة بالجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الحرب منذ الاستقلال، ما يستلزم إنشاء آليات للعدالة، والكشف الحقيقة، والمصالحة، وتعويض الضحايا.

برأيكم… لماذا فشلت الاتفاقات السابقة؟ وهل تُحمّلون القوى السياسية—including حزب الأمة—جزءًا من مسؤولية ذلك الفشل؟

إذا كان المقصود هو اتفاقي جدة والمنامة، اللذان يمثلان منابر خاصة بالمسار العسكري، فإن العوامل التي حالت دون نجاحهما تعود إلى وجود معوقات خفية.

 

 فالأخوان المسلمين(الكيزان )يمتلكون تأثيرًا كبيرًا داخل مراكز القرار في الجيش، ويستغلون الصراع كفرصة للعودة إلى السلطة وتجنب أي عودة للمدنيين، إذ أن أي تسوية توقف الحرب وتعيد المدنيين إلى السلطة ستفقدهم امتيازاتهم الاقتصادية الكبيرة وتحاسبهم على انتهاكات الماضي. أضف إلى ذلك التدخلات من بعض الدول التي لها اجنداتها الخاصة الامنية والاقتصادية والجيوسياسية والتي دعمت طرف ضد الآخر، مما اعطى الطرفين فرصة للتعنت إذا  لم تعجبهم شروط الاتفاقية.

البرهان وحميدتي 
البرهان وحميدتي 


كيف تقرأون المزاج العام للسودانيين؟ وهل ترون أن الشعب يميل الآن إلى التوافق وإنهاء الحرب أم أن الانقسامات ما زالت عميقة؟

الآن المزاج العام للسودانيين بعد أكثر من سنتين من الحرب يتجه نحو السلام، فبعد الدمار والموت وتعطل خدمات الصحة والتعليم  وفقدان سبل العيش واللجوء والنزوح، أيقن الجميع بان الحسم العسكري بالإضافة إلي كونه صعبا، سيكون على أشلاء البلد، لذلك نجد اغلب السودانيين حاليا ينظرون إلى الحرب باعتباره العدو المشترك وهذا إيمان ناشئ من رحم المعاناة وهو سلام يطالب به اليتامى واللاجئون والارامل، وبالتالي هو يستند إلى شرعية أخلاقية تعطيها قوة حقيقية لتشكيل المستقبل.

المواطن السوداني 
المواطن السوداني 

إلى أي مدى أثرت الحرب الحالية على وحدة السودان ومستقبله السياسي؟ وهل هناك مخاوف حقيقية من سيناريوهات التقسيم؟


أحدثت حرب 15 أبريل زلزالًا سياسيًا واجتماعيًا في السودان، وأحيت ذاكرة الصراعات القديمة، حيث تم تجنيد المقاتلين على أساس قبلي وجهوي في بعض الأحيان، وانتشرت خطابات العنصرية والكراهية التي تغذيها جهات خارجية معادية للسودان. كما ظهرت دعوات تقسيم علنية من بعض الشخصيات السودانية، مما يثير مخاوف حقيقية من سيناريوهات التقسيم.
لكن في رأيي، فإن سيناريو التقسيم أقل احتمالًا لعدة أسباب:من ناحية،هناك رفض شعبي للتقسيم، وكذلك رفض من دول الجوار والإقليم، نظرًا لأن التقسيم يحمل مخاطر كبيرة على استقرار المنطقة كلها.

 

 ومن ناحية أخرى، فإن الانتشار والتداخل السكاني بين المجموعات السودانية يجعل عملية الفصل الديمغرافي والجغرافي شبه مستحيلة.
 

السودان 
السودان 

 

هل تصريحات واشنطن وتصاعد الاهتمام الأمريكي–السعودي بالسودان يمكن أن يشكّلا بداية لمسار جديد نحو السلام، أم مجرد ضغط سياسي بلا نتائج حقيقية؟

 


بالطبع، يأتي التدخل الأمريكي في السودان ضمن استجابة الإدارة الأمريكية لدعوة ولي العهد السعودي، الرامية إلى تحقيق الاستقرار في البلاد، ويعكس ذلك الدور الإيجابي الذي تضطلع به دول الرباعية، وهي الولايات المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. 

وفي رأيي أن التدخل الأمريكي لا يقتصر على مجرد الضغط السياسي، بل يعكس تقاطع مصالح استراتيجية في قضايا المنطقة، خاصة في القرن الإفريقي والبحر الأحمر وإفريقيا، حيث يعتبر السودان بوابة الوطن العربي إلى القارة، مما يعزز أهمية استقرار البلاد.