خبراء لـ "الفجر": لا هدنة في السودان.. الميدان يشتعل بين تصاعد العمليات العسكرية وتكثيف الجهود الدبلوماسية
في ظل تسارع الأحداث الميدانية في السودان وتزايد الحديث عن هدنة مرتقبة بوساطة دولية، تتباين المواقف بين من يرى أن أي وقفٍ لإطلاق النار في هذا التوقيت يمثل فرصة لإعادة ترتيب صفوف المليشيا، ومن يعتبرها بارقة أمل لبداية مسار سلام شامل، فيما يذهب محللون إلى اعتبارها استراحة اضطرارية لا تعبّر عن إرادة سلام حقيقية.
الجيش يمسك بزمام المبادرة والميدان يبشّر بالنصر القريب
أكد القائد الميداني والكاتب السوداني عبدالله محمد علي بلال أن الحديث عن هدنة في الوقت الراهن “غير مقبول وغير واقعي”، مشيرًا إلى أن تجارب الهدن السابقة – منذ “شقدوم” و“شريان الحياة” – أثبتت أنها تصب في مصلحة التمرد وتمنحه فرصة لإعادة ترتيب صفوفه وزيادة تحركاته الخارجية.
وقال بلال في تصريحات خاصة لـ "الفجر" من كردفان، إن أي هدنة في هذا التوقيت تعني عمليًا فرض نموذج “حفتر” في غرب السودان وفرض سياسة الأمر الواقع، مؤكدًا أن الجيش السوداني يسيطر على الميدان ويمسك بزمام المبادرة بثقة واقتدار.

وأوضح أن المليشيا فقدت خلال خمسة أيام فقط في محور كردفان أكثر من 320 عربة قتالية وعدد كبير من الدراجات النارية، بالإضافة إلى مقتل نحو 2400 عنصر وإصابة أكثر من 700 آخرين، مشيرًا إلى أن المعنويات وسط القوات المسلحة مرتفعة وأن “الفرح الأكبر قادم قريبًا”.
وختم بالقول: “لن نوافق على أي هدنة تُفرض لإرضاء قوى خارجية، ولن نستسلم لضغوط الغرب. نحن نقاتل دفاعًا عن السودان وسيادته، والنصر بإذن الله بات قريبًا”.
المنتصر الحقيقي هو السودان عندما يسكت صوت المدافع
من جانبه، قال السياسي والمفكر السوداني محمد ضياء الدين إن الشعب السوداني يتطلع إلى أن تكلل الجهود الدولية بالوصول إلى هدنة حقيقية بين أطراف الحرب، باعتبارها بارقة أمل نحو وقف نزيف الدم وإنهاء معاناة المواطنين.
وأكد ضياء الدين في حديثه لـ "الفجر" أن الهدنة ليست ساحة للتنافس أو الانتصار السياسي، بل “فرصة وطنية جامعة” يجب أن يلتف حولها الجميع بمسؤولية وتجرد، بعيدًا عن منطق الغلبة أو المكاسب المرحلية.

وأوضح أن المنتصر الحقيقي هو السودان نفسه، عندما ينجح أبناؤه في إسكات صوت المدافع وتغليب صوت العقل والحوار، داعيًا إلى إسقاط خطاب الكراهية والتحريض والعمل على استعادة روح الوحدة الوطنية.
وأضاف أن الهدنة ينبغي أن تكون جسرًا نحو وقف دائم لإطلاق النار وبداية عملية سياسية شاملة تعيد ترتيب المشهد الوطني على أسس العدالة الانتقالية واستعادة المسار الديمقراطي، مشددًا على أن الشعب “يستحق سلامًا دائمًا لا مجرد هدنة مؤقتة”.
الهدنة استراحة اضطرارية لا تعكس إرادة سلام حقيقية
بدوره، رأى الدكتور عبدالناصر سلم حامد، كبير الباحثين ومدير برنامج شرق إفريقيا والسودان في مركز فوكس للدراسات، أن الحديث عن هدنة حقيقية في السودان “ما يزال صعبًا” في ظل ميزان القوى الميداني الراهن، الذي لا يوفر أرضية لسلام مستدام، بل يكرس واقع “اللاحسم” منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.
وقال حامد لـ "الفجر" إن ما يُتداول عن هدنةٍ قريبة هو “أقرب إلى استراحة اضطرارية بين جولاتٍ من الصراع”، وليس اتفاقًا يعكس إرادة سياسية جادة. وأضاف أن مقترح الرباعية الدولية – المكونة من الولايات المتحدة، والسعودية، والإمارات، ومصر – يمثل محاولة جديدة لوقف النزيف، أكثر من كونه خطة سلام شاملة.

وأوضح أن الحرب تحولت من صراع على العاصمة إلى صراع على الجغرافيا والنفوذ، مشيرًا إلى أن الفاشر والأبيض أصبحتا رمزين متقابلين في معركة طويلة حول “القلب النابض للدولة”، حيث تمثل الفاشر مأساة إنسانية، بينما تحولت الأبيض إلى رمزٍ للصمود العسكري والإداري.
وأكد أن قوات الدعم السريع فشلت في إدارة الفاشر رغم سيطرتها العسكرية، بسبب المجاعة والانهيار المؤسسي، فيما أعاد الجيش السوداني بناء تموضعه في الوسط والشرق مستفيدًا من خطوط إمداد آمنة وغطاء جوي نسبي، في إطار ما وصفه بـ "الاحتواء المنضبط".
وأشار حامد إلى أن خطة الرباعية الدولية تنقسم إلى ثلاث مراحل مترابطة:
1. هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر لتأمين الممرات.
2. وقف دائم لإطلاق النار تحت إشراف آلية إقليمية مشتركة.
3. مرحلة انتقالية مدنية مدتها تسعة أشهر بإشراف وضمانات دولية.
وختم قائلًا: “بين الفاشر المنهكة والأبيض الصامدة يتشكل وجه السودان الجديد. قد لا تكون الهدنة القادمة سلامًا نهائيًا، لكنها قد تكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ ما تبقّى من الدولة والإنسان”.
الهدنة ليست حلًا بل اختبار حقيقي لجدية الأطراف في إنهاء الحرب
في سياق متصل أكد رئيس المجموعة السودانية الصادق علي حسن أن أي حديث عن هدنة في السودان يجب أن يُنظر إليه بوصفه خطوة اختبارية لمدى جدية الأطراف المتحاربة في وقف نزيف الدم، وليس مجرد هدنة شكلية لإعادة ترتيب الصفوف.
وقال حسن في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، إن التجارب السابقة أثبتت أن بعض الهدن لم تكن أكثر من فرص مؤقتة أعادت إشعال الحرب من جديد، مؤكدًا أن الشعب السوداني لم يعد يحتمل هدنة هشة تنتهي بخروقات متكررة دون مساءلة أو ضمانات حقيقية.

وأضاف أن المطلوب في هذه المرحلة هو هدنة ذات أهداف واضحة وجدول زمني محدد تُمهد لوقف دائم لإطلاق النار، يليها مسار سياسي شامل يعيد بناء الدولة على أسس العدالة والتمثيل المتوازن، مشيرًا إلى أن استمرار الحرب يعني تفكك ما تبقى من مؤسسات الدولة ودخول السودان في مرحلة “اللا دولة”.
وشدد الصادق علي حسن على أن نجاح أي هدنة مرتبط بوجود رقابة دولية صارمة وضمانات ميدانية تُلزم الأطراف، محذرًا من أن الوساطات الدولية التي تتجاهل جذور الأزمة وتغيب عنها الإرادة الوطنية ستبوء بالفشل كما حدث في التجارب السابقة.