من الخزائن إلى البلوك تشين: العالم يستعد لعصر “الذهب الرقمي”
الذهب يتحول لرموز رقمية: مبادرة عالمية تغيّر شكل الاستثمار في المعدن النفيس
في خطوة تُعد الأجرأ منذ عقود في سوق الذهب العالمي، أطلق المجلس العالمي للذهب مبادرة جديدة تحمل اسم “الذهب الرقمي” (Pooled Gold Interests)، بالتعاون مع مكتب المحاماة الدولي “Linklaters” وشركة الاستشارات “Hilltop Walk”. هذه المبادرة تهدف إلى تحويل الذهب من مجرد أصل تقليدي يُخزَّن في الخزائن إلى أصل رقمي قابل للتداول بسهولة، ما يُحدث نقلة نوعية في طريقة امتلاك وتداول الذهب حول العالم.

التحول من السبائك إلى الرموز الرقمية
لطالما كان الذهب مرادفًا للأمان والاستقرار، لكنه في المقابل كان يواجه تحديًا في “السيولة” وصعوبة تداوله بين المستثمرين العاديين. فامتلاك سبيكة أو أوقية من الذهب لم يكن أمرًا يسيرًا للجميع، لا من حيث التكلفة ولا من حيث النقل والتخزين.
لكن وفقًا للمبادرة الجديدة، يمكن للمستثمرين امتلاك أجزاء صغيرة من الذهب الفعلي — وليس ذهبًا افتراضيًا أو ورقيًا — عبر رموز رقمية تمثل حصصًا حقيقية من مخزون الذهب الفعلي المخزن في بنوك وشركات معتمدة عالميًا.
ما معنى "Pooled Gold Interests"؟
يعني هذا المفهوم أن كمية من الذهب الفعلي سيتم تجميعها في خزائن مركزية، ثم تُقسَّم ملكيتها إلى وحدات رقمية تمثل كل وحدة منها نسبة محددة من الذهب الحقيقي. هذه الوحدات يمكن تداولها عبر منصات مالية مرخصة، ما يتيح للمستثمرين دخول عالم الذهب دون الحاجة لشراء أو تخزين السبائك بأنفسهم.
وبحسب بيان المجلس العالمي للذهب، الهدف هو “جعل الذهب أصلًا أكثر سيولة ومرونة، دون المساس بصفته كأصل مادي آمن”.
فوائد المبادرة الجديدة
من أبرز مزايا المبادرة أنها تفتح الباب أمام صغار المستثمرين لدخول سوق الذهب العالمي، بعد أن كان مقتصرًا على البنوك المركزية وكبار المتعاملين. كما تمنح الحكومات والشركات المالية أداة جديدة لاستخدام الذهب كضمان رقمي في التمويلات أو القروض، وهي فكرة كانت شبه مستحيلة في السابق.
ويؤكد “David Tait” المدير التنفيذي للمجلس العالمي للذهب، أن المبادرة “ستجعل الذهب أصلًا يتماشى مع روح العصر، ويستفيد من تقنيات البلوك تشين في الشفافية وسهولة التتبع”.
كيف ستتأثر الأسواق العالمية؟
من المتوقع أن تعيد هذه الخطوة تشكيل خريطة تداول الذهب عالميًا، خصوصًا في ظل توجه عدد من الدول نحو العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs).
ويرى خبراء الاقتصاد أن الجمع بين “الذهب الرقمي” والعملات الرقمية الرسمية قد يخلق نظامًا ماليًا هجينًا جديدًا، يجمع بين الثقة في المعدن النفيس وسرعة التكنولوجيا الحديثة.
بعض المحللين أشاروا إلى أن هذه المبادرة قد تشكل تحديًا مباشرًا لشركات الاستثمار التقليدية وصناديق المؤشرات التي تعتمد على الذهب الورقي، لأنها تمنح المستثمرين فرصة امتلاك حصة حقيقية من المعدن نفسه بدلًا من عقود مالية رمزية.
مصر والدول العربية.. فرصة للاستفادة
يُتوقع أن تفتح هذه المبادرة الباب أمام أسواق الشرق الأوسط، خاصة في دول مثل الإمارات ومصر والسعودية، التي تُعد من أكبر أسواق الذهب في العالم العربي.
التحول إلى “الذهب الرقمي” يمكن أن يدعم الاستثمار المحلي ويوفّر بيئة آمنة لتداول الذهب دون مخاطر النقل أو التخزين، ما يسهم في جذب شريحة جديدة من المستثمرين الشباب المهتمين بالتمويل الرقمي.
بهذه الخطوة، يكون المجلس العالمي للذهب قد أطلق شرارة تحول تاريخي في واحدة من أقدم وأهم السلع في تاريخ البشرية. فبينما ظل الذهب على مدى آلاف السنين رمزًا للثروة والاستقرار، قد يكون المستقبل القريب هو الذي يجعل منه أيضًا رمزًا للتكنولوجيا المالية والابتكار الاقتصادي.
الذهب لم يفقد بريقه، لكنه ببساطة يستعد لمرحلة جديدة… رقمية.