بوابة الفجر

في حوار خاص مع "الفجر "الدكتور أحمد رجب: جامعة القاهرة بوابة مصر إلى عصر الذكاء الاصطناعي

بوابة الفجر

أطلقت جامعة القاهرة مؤتمرها الدولي حول الذكاء الاصطناعي، والذي يقام بالتعاون مع منظمة اليونسكو، والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، وعدد من المؤسسات الأكاديمية والبحثية وشركات التكنولوجيا العالمية.
شهد المؤتمر حضور الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، والدكتورة هالة السعيد، مستشار رئيس الجمهورية للتنمية الاقتصادية والرئيس التنفيذي للمؤتمر، والدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والرئيس الشرفي للمؤتمر، والدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والمهندس محمد جبران، وزير العمل، وعدد من المحافظين ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات.
وعلى هامش المؤتمر، أجرت جريدة الفجر حوارًا خاصًا مع  الدكتور أحمد رجب، نائب رئيس جامعة القاهرة لشؤون التعليم والطلاب، الذي تحدث عن الدور الريادي للجامعة في نشر ثقافة الذكاء الاصطناعي، ورؤيته لأثره على التعليم وسوق العمل، وكيف تسعى الجامعة إلى دمج الذكاء الاصطناعي في المناهج الأكاديمية لتأهيل جيل قادر على قيادة المستقبل العلمي والتكنولوجي لمصر.

س: بداية، كيف تنظرون إلى انعقاد مؤتمر جامعة القاهرة حول الذكاء الاصطناعي؟


قال الدكتور أحمد رجب إن المؤتمر يُعد حدثًا استثنائيًا، إذ يجسد رؤية جامعة القاهرة في مواكبة الثورة التكنولوجية العالمية. وأضاف: “الذكاء الاصطناعي لم يعد مقتصرًا على مجال واحد، بل أصبح يدخل في كل التخصصات دون استثناء. اليوم لم يعد هناك علم أو صناعة أو خدمة لا تستفيد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، سواء في الزراعة أو الصناعة أو الطب أو الآثار أو التعليم أو الإعلام”.
وأشار إلى أن المؤتمر يضم جلسات متنوعة تناقش تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاعات حيوية مختلفة، موضحًا أن الحضور الوزاري والأكاديمي الواسع يؤكد أهمية هذا الحدث في وضع الأسس لمستقبل التعليم والبحث العلمي في مصر.

س: هل يمكن أن تحدثنا عن أهم البرامج التي طبقتها الجامعة في هذا المجال؟


أوضح نائب رئيس الجامعة أن جامعة القاهرة أطلقت ستة برامج أكاديمية متخصصة في الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع كلية الذكاء الاصطناعي، من أبرزها برنامج “نظم المعلومات الأثرية” في كلية الآثار، الذي يستخدم تقنيات التصوير ثلاثي الأبعاد (360 درجة) لتوثيق المواقع الأثرية وإعادة بنائها رقميًا، إضافة إلى تطوير جولات افتراضية للمتاحف والمواقع التراثية.
وقال إن هذه البرامج تهدف إلى توظيف التكنولوجيا الحديثة في مجالات غير تقليدية، بما يتيح للطلاب اكتساب مهارات عملية تؤهلهم للمنافسة في سوق العمل العالمي. 

كما أشار إلى أن الجامعة تعمل على تعميم التجربة في باقي الكليات من خلال إدخال الذكاء الاصطناعي كمادة إجبارية ضمن متطلبات التخرج.

س: هناك من يعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى اختفاء بعض الوظائف. كيف تردون على ذلك؟


رد الدكتور أحمد رجب قائلًا: “الذكاء الاصطناعي لا يلغي الوظائف، بل يعيد تعريفها. في الماضي كان المصنع يعتمد على آلاف العمال، أما اليوم فالأمر يختلف، فعدد العمال قل ولكن ظهرت وظائف جديدة في البرمجة والتشغيل والصيانة والتحكم”.
وأضاف: “التطور التكنولوجي لا يهدد العامل المتميز، بل يحفزه على التعلم واكتساب مهارات جديدة. أما من يتقاعس عن التطور فهو من يتأثر. لذلك فإننا نحتاج إلى إعداد خريج قادر على التفاعل مع التكنولوجيا لا الخوف منها. المستقبل للعقول القادرة على التكيف، وليس للمؤهل الورقي فقط”.

س: تحدثتم في المؤتمر عن البعد التاريخي للعلم والتقنية، كيف تربطون بين التراث العلمي القديم والتكنولوجيا الحديثة؟


ابتسم الدكتور رجب وقال: “الذكاء الاصطناعي قد يبدو حديثًا، لكنه في جوهره امتداد لتاريخ طويل من الابتكار الإنساني. لدينا في التراث العربي والإسلامي مخطوطات مثل كتاب (الحيل الجامع بين العلم والعمل) لأبي العز الجزري، الذي وضع منذ أكثر من ألف عام نماذج أولية لما يُعرف اليوم بالروبوتات. كذلك المصريون القدماء استخدموا علم الفلك والهندسة بدقة مذهلة تفوق قدرات عصرهم، وهو ما لم تستطع دول حديثة محاكاته”.
وأضاف: “الحضارة المصرية لم تندثر، بل تعيش فينا لغويًا وثقافيًا. كثير من كلماتنا اليومية ذات أصول فرعونية، وهذا دليل على أن مصر تملك حضارة متجددة قادرة على استيعاب كل ما هو جديد. من هذا المنطلق، أرى أن دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم هو استمرار لمسيرة الإبداع المصري الممتدة عبر العصور”.

س: ما الخطوات العملية التي اتخذتها الجامعة لدمج الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية؟


 أن الجامعة بدأت بالفعل في إدخال مقررات خاصة بالذكاء الاصطناعي في أغلب الكليات، بالتعاون مع كلية الذكاء الاصطناعي، موضحًا أن هناك اتجاهًا لاعتبار المادة جزءًا أساسيًا من كل برنامج أكاديمي.
وقال: “هدفنا أن نُخرج جيلًا قادرًا على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في تخصصه. فطالب الطب يجب أن يتعامل مع تطبيقات تشخيص ذكية، وطالب الزراعة مع نظم مراقبة ذكية، وطالب الإعلام مع أدوات تحليل بيانات المحتوى. كل تخصص له نصيبه من الذكاء الاصطناعي”.
وأضاف أن الجامعة تشجع أيضًا الأبحاث التطبيقية والمشروعات الطلابية في هذا المجال، وتعمل على إقامة شراكات مع شركات تكنولوجية عالمية لتوفير التدريب العملي للطلاب.

س: كيف ترون علاقة الإنسان بالذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب؟


أن العلاقة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي يجب أن تكون علاقة تكامل لا صراع، قائلًا: “العقل الإنساني هو من صنع الذكاء الاصطناعي، وسيبقى هو الموجّه له. لا يمكن أن نستبدل العقل البشري بالآلة، لكن يمكننا أن ندمج بينهما لصنع مستقبل أكثر كفاءة وإبداعًا”.
وأشار إلى أن الخطأ الأكبر هو الاعتماد الكلي على التقنية أو رفضها بالكامل، موضحًا: “يجب أن نتعامل مع الذكاء الاصطناعي كشريك يساعدنا على الإنجاز والإبداع، لا كبديل لنا”.

س: وما نصيحتكم لشباب الجامعات في ظل هذا التطور السريع؟
 

 “أنصح الطلاب بأن يتعاملوا مع الذكاء الاصطناعي بوعي. لا تأخذه كموضة، بل كأداة تطوير حقيقية. استخدمه في البحث، في التعليم، في التحليل، ولكن احتفظ دائمًا بعقلك النقدي. العالم يتغير بسرعة، ومن لا يتطور يتراجع”.
وأكد أن جامعة القاهرة تعمل على إعداد برامج توعوية وورش عمل للطلاب لتعريفهم بتطبيقات الذكاء الاصطناعي وكيفية استخدامه بطريقة آمنة وفعالة.

 

اختتم الدكتور أحمد رجب حديثه برسالة تحمل جوهر رؤية جامعة القاهرة لمستقبل التعليم قائلًا: “نحن أمام مرحلة جديدة من تاريخ الإنسانية، الذكاء الاصطناعي فيها ليس اختيارًا، بل واقعًا لا مفر منه. لكن علينا أن نحافظ على إنسانيتنا وسط هذا التحول التكنولوجي الهائل. التكنولوجيا تتغير، لكن الإبداع الإنساني هو الذي يمنحها المعنى والاتجاه”.
وأضاف أن جامعة القاهرة تعمل على بناء جيل من الخريجين قادر على الإبداع والتفكير النقدي، يجمع بين المعرفة التقنية والقيم الإنسانية، مؤكدًا أن مصر بما تملكه من عقول مبدعة وتاريخ علمي عريق قادرة على أن تكون في مقدمة الدول التي توظف الذكاء الاصطناعي لخدمة التنمية المستدامة.
وختم حديثه قائلًا: “الذكاء الاصطناعي وسيلة وليست غاية، والعقل الإنساني هو القائد الحقيقي لهذا التطور. علينا أن نتعلم كيف نصنع التوازن بين الإنسان والآلة، بين الفكر والإبداع، وبين العلم والأخلاق، فبهذا فقط نستطيع أن نبني مستقبلًا أكثر وعيًا وعدلًا وإنسانية”.