بوابة الفجر

حيثيات الحكم على المتهمين باختفاء تمثال أوزوريس من المتحف المصري الكبير

بوابة الفجر

أودعت محكمة جنايات الجيزة حيثيات حكمها في واحدة من أكثر القضايا الغامضة التي شغلت الرأي العام الأثري، والمتعلقة باختفاء تمثال الإله الفرعوني أوزوريس من مخازن المتحف المصري الكبير، بعد سنوات من تداول المستندات المزوّرة التي حاولت إخفاء الجريمة.

وقضت المحكمة بمعاقبة المتهم الأول بالسجن لمدة 5 سنوات، والمتهم الثاني بالسجن 3 سنوات، بينما اكتفت بإدانة المتهم الثالث في تهمة التزوير والمشاركة في التلاعب بالبيانات الإلكترونية الخاصة بالمتحف.


 تفاصيل الواقعة كما وردت في الحيثيات

أوضحت المحكمة أن الواقعة بدأت عام 2012 حين تسلّم أمين العهدة الأثرية ورئيس مخزن الآثار غير العضوية رقم (91) بالمتحف المصري الكبير – والذي يشغل حاليًا منصب رئيس قسم الآثار اليونانية والرومانية بالمتحف – تمثالًا برونزيًا للإله أوزوريس، مسجلًا برقم 49 gem no19930-other، بموجب محضر تسليم رسمي من أمين المخزن السابق "تامر. أ".

وتم إدراج التمثال في قاعدة بيانات المتحف موصوفًا بأنه “تمثال برونزي لأوزوريس في حالة مؤكسدة وبه شروخ وفاقد أجزاء”، وهو ما تم توثيقه بالدفاتر والسجلات الرسمية.


 بداية الجريمة: اختفاء التمثال وتبديله بعملة مزيفة

حسب الحيثيات، لاحظ المتهم الأول سوء حالة التمثال أثناء مراجعته للعهدة، لكنه فوجئ لاحقًا باختفائه تمامًا.
 

وأبلغ المتهم الثاني بالواقعة، إلا أن الأخير لم يتخذ أي إجراء قانوني، بل قام باستبدال التمثال بقطعة عملة مقلدة، وعبث بصفحات دفاتر المخزن (صفحتَي 54 و55)، حيث استخدم مزيل أبيض لتغطية البيانات الأصلية وكتب بخط مختلف وصفًا جديدًا للقطعة بأنها: “عملة من البرونز، على الوجه رأس الإسكندر، وعلى الظهر أحد المعبودات”.

 

هذا التلاعب أدى إلى تضارب واضح بين الدفاتر الورقية والسجلات الإلكترونية الخاصة بالمتحف.


 سلسلة التزوير وإخفاء الأدلة

استمر التلاعب حتى عام 2015، حين سُلّمت العهدة إلى "نهلة. ن"، حيث أثبت المتهم الأول أن القطعة المسلّمة هي “عملة برونزية” بينما كانت في الحقيقة قطعة مقلدة غير أثرية.


كما أجرى تعديلات أخرى في صفحات الدفاتر (262 و263) لإخفاء الحقيقة، وأخفى أصل محضر التسليم الورقي، مع الاكتفاء بنسخة مصوّرة تم تعديلها لتتوافق مع بيانات "العملة المزيفة".

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ إذ شارك المتهم الثالث – المسؤول عن قاعدة بيانات المتحف في ذلك الوقت – في تغيير البيانات الإلكترونية، حيث تم حذف وصف “تمثال أوزوريس” وإضافة وصف جديد يشير إلى “عملة أثرية تحمل رأس الإسكندر المقدوني”، في محاولة لتغطية الاختفاء الحقيقي للتمثال.


 المحكمة: التزوير ثابت.. والاختلاس غير مؤكد

أكدت المحكمة في حيثياتها أن المادة (308) من قانون الإجراءات الجنائية تتيح تعديل وصف التهمة أو إضافة ظروف مشددة حال ثبوتها.


ورغم ثبوت جرائم التزوير واستعمال المحررات المزورة، فإن المحكمة أوضحت أن “وجود عجز في العهدة لا يُعد دليلًا قاطعًا على جريمة الاختلاس”، إذ قد يكون ناتجًا عن خطأ إداري أو إهمال في إجراءات التسليم.

وأضافت المحكمة أن الاحتمال الأقرب للواقع هو فقد التمثال نتيجة التقصير الإداري، وليس السرقة المباشرة، ما جعلها تستبعد تهمة الاختلاس عن المتهمين الثلاثة.

الأدلة الفنية الحاسمة

كشف تقرير أبحاث التزييف والتزوير أن التعديلات التي أُجريت في دفاتر المخزن تمت بخط المتهم الأول، وتأكد ذلك من خلال تطابق الخطوط في الصفحات محل التغيير.
كما أثبت التقرير أن “العملة المضبوطة غير أثرية ومقلدة بالكامل”، مما أكد للمحكمة أن هناك نية مبيتة لتزوير المستندات والتلاعب بالبيانات الرسمية لإخفاء اختفاء التمثال الحقيقي.


 

بناءً على الأدلة والشهادات الفنية، قضت المحكمة بـ:

السجن 5 سنوات للمتهم الأول (أمين العهدة الأثرية)، السجن 3 سنوات للمتهم الثاني (عضو لجنة المخزن المتحفي بأطفيح)، إدانة المتهم الثالث بتهمة التزوير في قاعدة البيانات واستعمال محررات مزورة.


واختتمت المحكمة حيثياتها بالتأكيد على أن "تزوير المستندات الرسمية يُعد جريمة تامة بمجرد المساس بحجيتها"، مشددة على ضرورة تشديد الرقابة على مخازن الآثار لمنع تكرار مثل هذه الوقائع التي تهدد التراث المصري.