بوابة الفجر

عباس شراقي: السد العالي درع مصر المائي وأعظم إنجازات ثورة يوليو

الدكتور عباس شراقي
الدكتور عباس شراقي

مع حلول ذكرى ثورة 23 يوليو 1952، لا يمكن الحديث عن انجازات هذه الثورة دون التوقف أمام واحد من أعظم المشروعات القومية التي غيّرت وجه مصر الحديث: السد العالي. 

هذا الصرح الهندسي العملاق لم يكن فقط إنجازًا هندسيًا، بل كان ولا يزال درع مصر المائي، وسلاحها في مواجهة تقلبات الطبيعة، ومحورًا للتنمية الزراعية والصناعية والاقتصادية.

أكد الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية، ل “ الفجر” أن السد العالي أثبت مجددًا أهميته الكبرى كدرع مائي لمصر، خاصة في ظل أزمة سد النهضة الإثيوبي.


وأوضح أن عمليات الملء الإثيوبية الخمسة (من 2020 إلى 2024) لم تؤثر بشكل كارثي على حصة مصر من المياه، بفضل المخزون الاستراتيجي الهائل خلف السد العالي، والذي لعب دورًا حاسمًا في تعويض أي نقص محتمل.
وأشار شراقي إلى أن مصر كانت ستتعرض إلى جفاف شديد وانخفاض حاد في منسوب المياه لولا وجود السد، مما كان سيؤدي إلى توقف أكثر من نصف الأراضي الزراعية في الدلتا ووادي النيل.

وأضاف أن هذا المشهد يُعيد التأكيد على الرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى التي اتسم بها مشروع السد العالي، ليس فقط كحامل للتنمية، بل كصمام أمان للأمن المائي القومي المصري في مواجهة التغيرات الإقليمية والمناخية

 حماية مصر من الفيضانات والجفاف

قبل بناء السد العالي، كانت الفيضانات من الكوارث الطبيعية المدمرة التي تهدد مصر سنويًا. ويكفي أن نعلم أن فيضان 1887 – المسجل على جدران معبد الكرنك – وصل إلى 123 مليار متر مكعب، أي مرة ونصف الإيراد الطبيعي السنوي للنيل، وتسبب في دمار هائل.

وقد برهن السد على أهميته القصوى في التصدي لأزمات كبرى، مثل فيضان 1988 – الأكبر في العصر الحديث – حيث استوعب السد كامل المياه دون تهديد يُذكر، بل سبق ذلك السبع سنوات العجاف (1981–1987)، وهي أشد فترات الجفاف منذ 1913، ومع ذلك، حافظ السد على استقرار مصر المائي.

 مصدر دائم للطاقة النظيفة

بفضل السد العالي، أنارت الكهرباء لأول مرة كافة محافظات مصر. حيث بدأ بإنتاج 2100 ميجاوات، كانت تمثل أكثر من 60% من كهرباء مصر في بداية التشغيل، بعائد سنوي قدره 100 مليون جنيه آنذاك. واليوم، لا تزال مساهمته ثابتة عند نحو 7% من الإنتاج، كطاقة نظيفة ومستقرة دون تكلفة وقود أو انبعاثات، ولا عبء على الموازنة العامة للدولة.

توسيع الرقعة الزراعية

ساهم السد العالي فور تشغيله في إضافة 1.5 مليون فدان إلى الرقعة الزراعية، مع عائد إنتاجي يزيد على 300 مليون جنيه. ولأول مرة، استطاعت مصر التحول من الزراعة الموسمية إلى الزراعة المستديمة على مدار العام، حتى وصلت الرقعة الزراعية اليوم إلى أكثر من 10 ملايين فدان، رغم اعتماد بعض المساحات على المياه الجوفية.

 السد العالي حجر الأساس في نهضة مصر الصناعية 

لم يكن السد العالي مجرد مشروع مائي، بل حجر الأساس في نهضة مصر الصناعية، حيث وفر الطاقة اللازمة لتشغيل مصانع استراتيجية مثل الحديد والصلب بحلوان، ألومنيوم نجع حمادي، والغزل والنسيج، وغيرها من الصناعات الثقيلة التي دعمت الاقتصاد الوطني.

حماية الآثار المصرية

حمى السد العالي آثار مصر الخالدة من أخطار الفيضانات المدمرة، التي كانت سببًا رئيسيًا في تآكل أسقف وأعمدة معابد الكرنك والأقصر ودندرة وأبيدوس، وطريق الكباش، فضلًا عن ردم أجزاء منها بالطمي. واليوم، تعيش هذه المعابد في أمان نسبي بفضل التحكم الكامل في مناسيب مياه النيل.

 تحول جغرافي وسياحي

ساهم السد العالي في تحويل أخطر أراضي النيل وأكثرها عرضة للغرق، مثل الجزر النيلية، إلى أراضٍ قابلة للتخطيط والتطوير. 

كما مكنا من استغلال ضفاف النيل، شرقًا وغربًا، لإنشاء كورنيش النيل، والآلاف من الفنادق والمراكب العائمة والمشروعات السياحية، ما أضاف بعدًا جماليًا واقتصاديًا جديدًا للعاصمة والمدن الكبرى.

 بحيرة ناصر.. مخزون هائل وفرص تنمية غير مستغلة

أنشأ السد واحدة من أكبر البحيرات الصناعية في العالم، بحيرة ناصر، والتي تمتد على مساحة تزيد عن 5000 كم². وتُعد هذه البحيرة كنزًا استراتيجيًا، بإمكانها دعم الثروة السمكية المصرية، فضلًا عن إمكانات عمرانية هائلة تمتد على ضفافها الممتدة بطول آلاف الكيلومترات، ما يفتح المجال لإنشاء قرى ومدن جديدة في جنوب مصر.

 الحصن المنيع في وجه سد النهضة

وأشار الدكتور شراقي إلى أن السد العالي أثبت أهميته مجددًا في مواجهة أزمة سد النهضة الإثيوبي، حيث أن عمليات الملء الإثيوبية الخمسة (2020 – 2024) لم تؤثر بشكل كارثي على مصر بفضل وجود مخزون استراتيجي خلف السد العالي. 

ودون السد، لتعرضت مصر إلى جفاف حاد، وانخفاض في منسوب المياه، كان كفيلًا بتوقف أكثر من نصف الأراضي الزراعية في الدلتا والوادي.

 اعتراف عالمي بالسد العالي

وبالفعل، تم اختيار السد العالي من قبل لجان علمية دولية، كأحد أعظم 10 مشروعات هندسية في القرن العشرين، لما له من تأثير بالغ في حياة البشر، وتوظيف أعلى تكنولوجيا عرفها العالم في ذلك الحين.