واشنطن تسرّع خطوات تشكيل لجنة لإدارة غزة خلال أسبوعين.. ودور بارز مرتقب لولي العهد السعودي في “مجلس السلام”
تشهد الساحة الدولية زخمًا متصاعدًا بعد التقارير الصادرة عن صحيفة هآرتس العبرية، والتي كشفت عن تحركات أميركية مكثفة لتشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة مؤقتًا خلال أسبوعين فقط، في إطار المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمستقبل القطاع بعد الحرب.
وهذه الخطوة التي وصفتها جهات دبلوماسية بأنها “الأكثر حساسية منذ اتفاق وقف إطلاق النار”، تفتح الباب أمام ترتيبات جديدة قد تُعيد رسم المشهد السياسي الفلسطيني برمّته.
واشنطن تستعد لحكومة انتقالية في غزة: لجنة محلية بإشراف دولي
ووفقًا للتقارير، أبلغ مسؤولون في مركز التنسيق المدني العسكري جنوب إسرائيل دبلوماسيين أجانب بأن اللجنة المؤقتة ستُعلن رسميًا في 15 ديسمبر لتتولى إدارة الملفات اليومية داخل القطاع، بما في ذلك:
الخدمات الأساسية
الشؤون المدنية
إعادة تنظيم المؤسسات المحلية
التنسيق الأمني مع الجهات المشرفة دوليًا
اللجنة ستكون مكوّنة من تكنوقراط فلسطينيين من سكان غزة، دون ارتباطات سياسية مباشرة، بهدف ضمان إدارة مستقرة للمرافق الأساسية ريثما تكتمل الإصلاحات داخل السلطة الفلسطينية.
إصلاحات داخل السلطة الفلسطينية: شرط أمريكي قبل تسليم الإدارة
تحدد الخطة الأميركية مسارًا من ثلاث مراحل، تبدأ بإدارة انتقالية محلية وتنتهي بانتخابات فلسطينية شاملة، لكن بشرط تنفيذ سلسلة إصلاحات داخل السلطة، منها:
وقف المخصصات المالية للمسلحين وعائلاتهم
مواءمة المناهج التعليمية مع المعايير الدولية
إصلاح المؤسسات الأمنية والمدنية
تهيئة بيئة سياسية تسمح بإجراء انتخابات دون انقسامات أو صدامات
ويرى مراقبون أن هذه الشروط تعني عمليًا “إعادة هندسة” بنية الحكم الفلسطيني قبل أي ترتيبات سياسية جديدة.
مجلس السلام.. مظلة دولية بإشراف ترامب
إلى جانب اللجنة، تعمل واشنطن على تأسيس مجلس السلام الدولي الذي سيشكل غطاءً سياسيًا وإداريًا للمرحلة الانتقالية. وبحسب هآرتس، فإن المجلس سيضم ممثلين من دول مؤثرة في الشرق الأوسط، وسيكون:
هرميًا في هيكليته
مباشرة تحت إشراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب
مسؤولًا عن مراقبة أداء اللجنة وتسهيل ترتيبات إعادة الإعمار
المجلس يهدف إلى منع انهيار ترتيبات ما بعد الحرب، وضمان توافق إقليمي ودولي حول مستقبل القطاع.
دور ولي العهد السعودي: حضور سياسي محوري
توقعت مصادر الصحيفة أن يكون ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أحد أبرز الشخصيات التي تشارك في المجلس، بالنظر إلى:
الدور السعودي المتنامي في الملفات الإقليمية
الثقل السياسي والاقتصادي للمملكة في ترتيبات إعادة الإعمار
قدرتها على التواصل مع الأطراف العربية والفلسطينية
علاقتها المتوازنة مع واشنطن
ووفق محللين، فإن إشراك السعودية في إدارة مرحلة ما بعد الحرب يعكس توجهًا أميركيًا لخلق “مظلّة عربية” تتكامل مع الدور الدولي، وتساعد على تجنّب الفراغ السياسي داخل غزة.
رسائل سياسية وراء التحرك الأميركي
تحركات واشنطن لا تنفصل عن عدة اعتبارات استراتيجية، أبرزها:
1. تثبيت وقف إطلاق النار ومنع تجدد المواجهات
الإدارة الأميركية تعي أن أي فراغ إداري في غزة قد يؤدي إلى انفلات أمني يعيد دورة العنف.
2. تقليص نفوذ الفصائل المسلحة
من خلال إدارة مدنية محايدة، وتعديل المناهج، وربط التمويل بالإصلاحات.
3. تعزيز الدور العربي
واشنطن ترغب في شراكة عربية—خاصة سعودية ومصرية—لتوفير الغطاء السياسي للمجتمع الفلسطيني.
4. إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني
تمهيدًا لانتخابات تعيد تشكيل نظام الحكم في الضفة والقطاع معًا.
مخاوف فلسطينية.. وترحيب مشروط
بينما ترحب بعض الأطراف الفلسطينية بخطوات تخفيف الضغط على السكان، إلا أن هناك مخاوف من:
فرض وصاية دولية طويلة الأمد
إقصاء الفصائل عن إدارة شؤون القطاع
استخدام “الإصلاحات” لإعادة تشكيل الهوية السياسية الفلسطينية
في المقابل، ترى الأطراف الداعمة للخطة أنها تمنح غزة “نافذة أمل” لإعادة البناء بعيدًا عن الصراعات الداخلية.
في النهاية تسير واشنطن بخطوات متسارعة نحو تدشين مرحلة انتقالية جديدة في غزة، عبر لجنة محلية ومجلس سلام دولي بمشاركة شخصيات من بينها ولي العهد السعودي. وبينما تبدو الخطوة جزءًا من استراتيجية لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، إلا أنها أيضًا تعبّر عن سعي أميركي لإعادة هندسة التوازنات الإقليمية في الشرق الأوسط خلال فترة ما بعد الحرب.
التطورات خلال الأسابيع المقبلة—وخاصة إعلان اللجنة في منتصف ديسمبر—ستحدد مستقبل غزة السياسي والإداري لسنوات قادمة.