هل ينقرض وحيد القرن؟.. البشرية على وشك فقدان آخر أفراد وحيد القرن الأبيض الشمالي
يبدو أن العالم يقف اليوم أمام مشهد انقراض جديد يقترب من أن يصبح حقيقة نهائية، بعدما بات وحيد القرن الأبيض الشمالي على حافة الاندثار الكامل، وهو أحد أندر الكائنات التي عرفها الإنسان. ورغم أن خبر نفوق آخر ذكر من هذه السلالة انتشر مجددًا مؤخرًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن الحقيقة المؤكدة أن هذا الذكر، المسمى «سودان»، نفق بالفعل عام 2018 داخل محمية «أول بيجيتا» في كينيا، ليترك وراءه مستقبلًا قاتمًا لنوع لم يتبق منه سوى أنثيين فقط.
منذ اشهر قليلة، أعاد منشور الكاتب الأمريكي ماثيو لاكروا الجدل للواجهة بعد نشره صورة للحيوان مدعيًا نفوق آخر ذكر مؤخرًا، وهو ما أثار ارتباكًا واسعًا، إلا أن النقاش أعاد فتح ملف هذا النوع المهدد بالانقراض، والجهود العلمية الأخيرة لمحاولة إنقاذه من الزوال النهائي.
حافة الانقراض.. أنثيان فقط تبقيان على قيد الحياة
بعد موت «سودان» منذ سبع سنوات، لم يتبق من سلالة وحيد القرن الأبيض الشمالي سوى الأنثيين «ناجين» و«فاتو»، وهما تعيشان تحت حماية مشددة داخل محمية «أول بيجيتا» في كينيا. ويعد نوعهما «منقرضًا وظيفيًا» نظرًا لغياب أي ذكور، وبالتالي انعدام القدرة على التكاثر الطبيعي.

كان هذا النوع يعيش في مناطق واسعة تمتد عبر السودان وأوغندا والكونغو الديمقراطية، لكن الصيد الجائر والاتجار غير المشروع بقرونه—التي تُباع بأسعار خيالية في الأسواق السوداء—قضى على أعداده تدريجيًا، وصولًا للحظة الحالية التي يقف فيها العالم أمام آخر فردين فقط من تلك السلالة.
مشروع BioRescue.. آخر محاولة لإعادة الحياة إلى السلالة المنقرضة
بالرغم من قتامة المشهد، فإن المجتمع العلمي لم يستسلم. إذ يقود فريق دولي من الباحثين مشروعًا طموحًا يحمل اسم BioRescue، ويهدف إلى استخدام أحدث تقنيات الإخصاب الصناعي والإنجاب المساعد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
يعتمد العلماء على جمع بويضات من «فاتو» وتلقيحها بحيوانات منوية مجمدة لذكور نفقت سابقًا، وقد نجحوا بالفعل في إنتاج 30 جنينًا مجمدًا. كما شهد يناير 2024 أول تجربة حمل عبر زرع أحد هذه الأجنة في أنثى من وحيد القرن الأبيض الجنوبي، لتعمل كأم بديلة. استمر الحمل 70 يومًا قبل أن يفشل بسبب عدوى بكتيرية، إلا أن الجنين كان سليمًا ويتطور بشكل طبيعي، ما أعطى العلماء أملًا جديدًا.
ويستكشف الباحثون الآن استخدام الخلايا الجذعية لتوليد بويضات وحيوانات منوية جديدة، وهي مرحلة تجريبية لكنها قد تمثل الفرصة الأخيرة لإنقاذ هذا النوع من اختفاء تام محتوم.
جنوب القارة يحمل الأمل الأخير
على النقيض من الانهيار الكامل لشمالي السلالة، لا تزال أعداد وحيد القرن الأبيض الجنوبي مستقرة نسبيًا، إذ يبلغ عددها نحو 17 ألفًا في البرية. ويعتمد العلماء على هذا النوع كأمهات بديلة في تجارب التلقيح، نظرًا لتقارب الصفات الوراثية والسلوكية بين السلالتين.
حماية مكلفة وجهود مستمرة في كينيا
تعيش «ناجين» و«فاتو» في محمية تمتد على 360 كيلومترًا مربعًا، وسط حراسة مسلحة 24 ساعة يوميًا، وتبلغ كلفة حماية الفرد الواحد نحو 850 دولارًا شهريًا. ولم تُسجَّل أي واقعة صيد غير قانوني خلال السنوات الخمس الأخيرة، ما يعكس فعالية الجهود الأمنية، رغم محدودية الأمل في بقاء النوع دون نجاح المشاريع العلمية.
يقف العالم اليوم أمام سؤال مصيري: هل سيلحق وحيد القرن الأبيض الشمالي بالديناصورات والكائنات التي اختفت من الوجود؟ الجهود العلمية تبقي الباب مفتوحًا، لكن مصير النوع سيُحسم خلال السنوات القادمة، إما بولادة جديدة تعيد الحياة لسلالة عاشت 55 مليون عام، أو بإعلان انقراض رسمي لن يعود بعده هذا الحيوان الفريد إلى الأرض مرة أخرى.