كريم كمال فى ذكرى جلوس البابا شنودة الثالث: البابا الراحل قديس لا يموت فى القلوب

أقباط وكنائس

البابا شنودة
البابا شنودة

قال كريم كمال الباحث في الشأن السياسي والمسيحي: تمر السنين، وتتوالى الأيام، لكن الذكرى لا تموت، والقلوب لا تنسى من سكن فيها بمحبة وصدق ففي مثل هذا اليوم، 14 نوفمبر، نحتفل بذكرى جلوس قداسة البابا شنودة الثالث على الكرسي المرقسي عام 1971، وهو اليوم الذي غيّر وجه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وأطلق نهضتها الكبرى في التعليم والرعاية والتعمير.

تابع كمال فى تصريحات خاصة للفجر: لقد اختارت العناية الإلهية هذا القديس العظيم، الأنبا شنودة أسقف التعليم والمعاهد الدينية والكلية الإكليريكية، ليقود الكنيسة في زمن كانت فيه بأمسّ الحاجة إلى قائد حكيم، ومعلم فذ، وأب حنون. ومنذ اللحظة الأولى لجلوسه، بدأت الكنيسة القبطية تتحول من كنيسة محلية إلى كنيسة عالمية، تمتد من أقاصي الأرض إلى أقاصيها، حاملة نور المسيح وتعاليمه إلى كل مكان.

تابع:  اهتمام البابا شنودة لم يكن بالمباني فقط، بل كان شغله الشاغل هو الإنسان، والنفس، والروح فقد أولى التعليم الروحي أهمية قصوى، من خلال عظاته الأسبوعية في القاهرة، والنصف شهرية في الإسكندرية، ومن خلال محاضراته في الكلية الإكليريكية، وجولاته الرعوية في المحافظات وبلاد المهجر. لم يتوقف يومًا عن التعليم، حتى في سنواته الأخيرة، رغم المرض والتقدم في السن، ظل وفيًا لرسالته، لا يتخلف عن لقاء الشعب، ولا يتوانى عن تقديم الكلمة الحية.

وفي هذه الذكرى العطرة، نستحضر السمات النادرة التي ميزت هذا العصر الذهبي، وعلى رأسها حفاظ قداسته على التعليم الأرثوذكسي القويم، والتقليد الكنسي الأصيل، إلى جانب نهضة شاملة في مجالات التعليم والرعاية والتدبير. وكان اهتمامه بأخوة الرب علامة مضيئة في مسيرته، حيث كان يلتقي بهم شخصيًا كل خميس في القاهرة، والسبت الأول والثالث من كل شهر في الإسكندرية، ليُلبي احتياجاتهم التي تعجز الكنائس عن تلبيتها، من عمليات جراحية كبرى، إلى تجهيز العرسان، وغيرها من صور العطاء.

أختتم: ومن أبرز ما ميّز قداسته أن بابه كان مفتوحًا للجميع، دون تمييز أو حواجز. كان كل فرد من الشعب يستطيع الوصول إليه، سواء عبر الأسئلة في العظات، أو اللقاءات المباشرة التي كان يحرص عليها بنفسه. وأشهد أمام الله أنني لم أرَ قداسته يومًا عابس الوجه، بل كان دائمًا بشوشًا، عطوفًا، محبًا لكل محتاج، سواء كان احتياجه روحيًا أو ماديًا، وكان محبًا للأطفال بشكل خاص.

كان البابا شنوده عفيف اللسان، طيب القلب، لا يعرف المحاباة، أعطاه الله كاريزما فريدة، وحضورًا طاغيًا، لكنه رغم ذلك كان ناسكًا متواضعًا، عاشقًا للحياة الديرية، ورجلًا وطنيًا من طراز نادر. أحب مصر بكل جوارحه، وحافظ على وحدتها الوطنية، ورفض أي تدخل خارجي لحماية الأقباط، رغم الحوادث المؤلمة التي شهدها عهده، لكنه في الوقت ذاته لم يفرّط يومًا في حقوق شعبه.

قداسته كان صوتًا للحق، وضميرًا للوطن، وموقفه التاريخي من القضية الفلسطينية سيظل محفورًا في ذاكرة الأمة بحروف من نور. لذلك، لم يكن محبوبًا فقط من الأقباط، بل من كل المصريين، مسلمين ومسيحيين، بل ومن كل عربي حر وأقولها بكل فخر عشت في زمن هذا العملاق، زمن البابا شنوده الثالث، الذي نحتفل اليوم بالذكرى الرابعة والخمسين لجلوسه على عرش القديس مار مرقس الرسول. وسيظل اسمه محفورًا في القلوب، وذكراه عطرة لا تزول، لأنه ببساطة... قديس لا يموت.