"التنوع والتعددية" الولايات المتحدة أمام اختبار حقيقي

بعد هجوم ترامب على ممداني.. هل هذه هي الديمقراطية الأمريكية التي وُعد بها العالم؟

تقارير وحوارات

بوابة الفجر

إنَّ هذه أمريكا، بلد الحريات وموطن الديمقراطية كما رُوِّج لها في الإعلام الدولي وروّجت هي نفسها لذلك في كل منابرها. ما دام قدّمت الولايات المتحدة نظامها السياسي بوصفه الأكثر نزاهة وعدالة في العالم، والأقدر على تمثيل إرادة الشعوب وصون حقوق الإنسان. غير أن الواقع كثيرًا ما يُظهر صورة مغايرة، فبين الخطاب الذي يرفع شعارات المساواة والحرية، والممارسة التي تفرض الإملاءات وتضيق على المختلفين، تنكشف النوايا وتظهر الحقيقة التي يعرفها كثيرون: أن الديمقراطية الأمريكية ليست دائمًا على قدر ما تدّعيه من مثالية. فهل آن الأوان لأن يُكشف هذا التابو الذي ظلّ لسنوات عنوانًا بلا مضمون؟

التناقض بين الشعارات والممارسات

أحدث فوز زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك صدمة في المشهد السياسي الأمريكي، ليس لأنه أول مسلم يتولى المنصب في تاريخ المدينة فحسب، بل لما تبعه من ردود فعل رئاسية أثارت جدلًا واسعًا. فالرئيس دونالد ترامب، بدلًا من تهنئته على فوزه، طالبه بأن يكون «لطيفًا» مع واشنطن وأن يُظهر احترامًا أكبر للإدارة الفيدرالية، ملمحًا إلى أن العلاقة مع الحكومة المركزية قد تتأثر إذا لم يلتزم بهذا النهج. هذه التصريحات وضعت علامات استفهام حول مدى استقلالية السلطات المحلية، وحول حدود الحرية السياسية التي ما دام تغنّت بها أمريكا. فهل الديمقراطية تعني حرية الاختيار، أم الخضوع لرضا المركز السياسي في العاصمة؟

الديمقراطية في اختبار حقيقي

المفارقة تتجلى في أن ممداني، الذي فاز بأصوات الأمريكيين في مدينة كبرى مثل نيويورك، تعرّض لاتهامات من الرئيس نفسه بالانتماء إلى فكر «شيوعي» وبأن فوزه يُمثل تهديدًا لسيادة الولايات المتحدة. هنا يتحوّل المشهد من منافسة انتخابية إلى صراع هوية، تُختبر فيه قدرة أمريكا على تقبّل التنوّع داخل مؤسساتها. وفي الوقت ذاته، حاول ممداني الرد بلباقة سياسية، مؤكّدًا أنه يسعى للتعاون مع الإدارة الفيدرالية من أجل خدمة المواطنين، وأن أولوياته تتمثل في مواجهة غلاء المعيشة وتحسين أوضاع الطبقات المتضرّرة من التضخم. لكن الجدل كشف بوضوح هشاشة الخطاب الأمريكي عندما يواجه اختبارًا حقيقيًا بين المبدأ والمصلحة.

واشنطن أمام التنوع والتعددية

 يبقى السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل هذه هي الديمقراطية الأمريكية التي بشّرت بها واشنطن العالم لعقود؟ أم أن التنوّع والتعدديّة فيها مجرد شعارات تُرفع ما دامت لا تمسّ جوهر السلطة؟ إن المجتمع المسلم في الولايات المتحدة هو جزء أصيل من نسيجها الوطني، وأسهم عبر عقود في التعليم والطب والاقتصاد والخدمة العامة، وها هو اليوم يدخل ميدان القيادة السياسية دون تصنّع أو ادّعاء. 

أثبت الواقع أن الحاكم المسلم، مثل غيره، قادر على ممارسة مهامه وفق القانون والدستور، وأنه يحترم التعددية ويؤمن بالعيش المشترك، وهذا هو جوهر الديمقراطية الحقيقية التي لا تُقاس بالخطابات بل تُثبتها الممارسات. فهل ستسمح أمريكا بأن تكون كما تقول عن نفسها، أم ستبقى حبيسة الشعارات التي تخفي تناقضاتها تحت عباءة الحريات؟

أمريكا