مرحلة جديدة أمام القطاع.. ومطلب فلسطيني واضح

"غزة" واقتراح أمريكي مثير للجدل.. الأرض الفلسطينية تواجه مخاطر التدخل الدولي بحجة الحماية.. ما القصة؟

تقارير وحوارات

بوابة الفجر
  • التخوف من فقدان السيادة الفلسطينية
  • مشروع القوة الدولية يثير الانقسام داخل مجلس الأمن
  • مواقف فلسطينية وعربية تحذر من الوصاية الخارجية

تشهد الأراضي الفلسطينية في الآونة الأخيرة تصاعدًا في النقاشات السياسية والدبلوماسية حول مقترحات إنشاء قوة دولية في قطاع غزة، بزعم «توفير الحماية الإنسانية للمدنيين»، في ظل استمرار العدوان والحصار وتدهور الأوضاع المعيشية. ورغم أن الفكرة تبدو من الناحية الإنسانية إيجابية في ظاهرها، إلا أن العديد من الخبراء والمسؤولين الفلسطينيين يحذرون من أن تطبيقها بصيغتها الحالية قد يحمل في طياته مخاطر حقيقية تمس السيادة الوطنية وتمهد لتدخل خارجي طويل الأمد في الشؤون الفلسطينية.

التخوف من فقدان السيادة الفلسطينية

تأتي هذه المخاوف في ضوء تسريبات تحدثت عن مسودة قرار أميركي قُدم إلى مجلس الأمن لإنشاء قوة دولية في غزة لمدة عامين على الأقل، تتولى إدارة الملف الأمني والإشراف على إعادة الإعمار، مع منح واشنطن ودول أخرى سلطات تنفيذية في إدارة القطاع خلال فترة التفويض. ويعتبر المراقبون أن مثل هذا التوجه يفتح الباب أمام وصاية سياسية جديدة على غزة، بما يعيد إنتاج أنماط السيطرة الأجنبية التي عانى منها الشعب الفلسطيني على مدى عقود.

حسب ما نشره "موقع سكاي نيوز عربية" يرى محللون سياسيون أن ما يُطرح تحت عنوان «الحماية الدولية» قد يكون مقدمة لتثبيت واقع ميداني جديد، خاصة إذا تضمن المشروع ترتيبات أمنية تضع القرار الفلسطيني خارج يد مؤسساته الشرعية. ويؤكد هؤلاء أن الهدف المعلن للحماية لا ينبغي أن يخفي الأهداف السياسية الكامنة وراءها، مشيرين إلى أن أي وجود عسكري أجنبي، حتى لو جاء بغطاء أممي، قد يتحول إلى أداة ضغط وإدارة على الأرض، بدلًا من أن يكون قوة ردع لحماية المدنيين.

مشروع القوة الدولية يثير الانقسام داخل مجلس الأمن

داخل أروقة الأمم المتحدة، أثار مشروع القرار الأميركي جدلًا واسعًا بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن. فبينما تؤيد بعض القوى الغربية فكرة إنشاء قوة دولية محدودة المدة، ترى أطراف أخرى، من بينها روسيا والصين ودول عربية، أن المشروع لا ينسجم مع مبدأ السيادة الفلسطينية، وأنه قد يؤدي إلى تجميد مسار الحل السياسي على المدى الطويل.

مايكل والتز مستشار الأمن القومي الأميركي الذي أطاح به تطبيق "سيغنال" |  الموسوعة | الجزيرة نت
ذكرت تقارير دبلوماسية أن السفير الأميركي في الأمم المتحدة مايكل والتز عقد لقاءات مع دبلوماسيين فلسطينيين لمناقشة تفاصيل المشروع

وذكرت تقارير دبلوماسية أن السفير الأميركي في الأمم المتحدة مايكل والتز عقد لقاءات مع دبلوماسيين فلسطينيين لمناقشة تفاصيل المشروع، حيث عبّر الجانب الفلسطيني عن قلقه من غموض بعض البنود، خصوصًا ما يتعلق بمهام القوة وصلاحياتها الإدارية داخل القطاع. وطالب الوفد الفلسطيني بتوضيحات رسمية تضمن عدم المساس بدور السلطة الوطنية أو حق الفلسطينيين في إدارة شؤونهم بأنفسهم.

في المقابل، أبدت بريطانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى رغبتها في منح السلطة الفلسطينية دورًا أكبر ضمن أي ترتيبات أمنية مقبلة، مؤكدين أن إشراكها في العملية ضروري لضمان قبول فلسطيني داخلي، ولمنع أي فراغ سياسي قد تستغله أطراف أخرى. ومع ذلك، فإن التباين في المواقف لا يزال واضحًا، ما يجعل تمرير المشروع داخل مجلس الأمن أمرًا معقدًا يحتاج إلى توافق دولي نادر الحدوث.

هل هي أحلام أمريكية للتفتيت؟

منذ عام 2023، برزت مواقف أمريكية متصاعدة تجاه ملف قطاع غزة، بدأت بمحاولات تهدئة تحت مظلة دولية بالتعاون مع أطراف إقليمية. ففي منتصف مايو من ذلك العام، رحّبت وزارة الخارجية الأمريكية باتفاق التهدئة الذي وسّطته مصر بين إسرائيل وحركة حماس، معتبرة أن وقف إطلاق النار ضروري للحيلولة دون مزيد من الخسائر البشرية. ثم تحوّل المسار إلى تهديدات صريحة؛ إذ وضعت واشنطن خيارًا أمام حماس بأن تسليم الرهائن الفلسطينيين والإسرائيليين أو مواجهة عواقب استراتيجية واسعة في الشرق الأوسط، ما قد يفتح الباب لمزيد من التدخّل الأمريكي المباشر أو فرض ترتيبات أمنية طويلة الأمد. هذا التحوّل في الخطاب – من التهدئة إلى التهديد – يعكس استراتيجية أمريكية مزدوجة تجمع بين الضغط الدبلوماسي والخيار العسكري كأدوات لتحقيق هدف أوسع.

قمة شرم الشيخ للسلام.. إطلاق المسار السياسي بـ"خطة ترامب" وتوقيع وثيقة لدعم  الهدنة الشاملة
جانب من قمة شرم الشيخ 

في مفصل لاحق، جاءت مفاوضات شرم الشيخ في أكتوبر 2025 كمرحلة محورية، إذ استضافت مصر اجتماعًا دوليًا كبيرًا شاركت فيه الولايات المتحدة ودول عدة لمتابعة تنفيذ أولى خطوات خطة السلام المعروضة على غزة. تم خلاله توقيع ما وصف بأنه «المرحلة الأولى» من اتفاقية تهدئة تشمل إطلاقًا للرهائن وتبادلًا للأسرى وتخفيفًا للعقوبات، وتوجيه أنظار الجميع نحو مرحلة أمنية وإدارية جديدة في القطاع. في هذا الإطار، فضّلت واشنطن تسليط الضوء على العنوان الأمني، من خلال دعم فكرة إنشاء «مركز تنسيق مدني عسكري» داخل الأراضي الإسرائيلية ليكون جزءًا من تنفيذ الاتفاق، مع التأكيد على أن واشنطن لن ترسل قوات مباشرة إلى غزة، لكنها ستشرف بدورها على تنسيق التدخل من خلف الكواليس، في إشارة إلى استمرار النفوذ الأمريكي وإن تغيّر شكله.

لكن السؤال يبقى: هل تضعنا السياسة الأمريكية بين خيارين صعبين؟ من جهة الحصار المستمر أو إعادة تسمية الترتيبات كـ«حماية دولية»، التي قد تكون مجرد بوابة لتثبيت احتلال جديد في المنطقة؟ إذا كان الخيار أولًا، فهذا يعني استمرار معاناة المدنيين في غزة دون مخرج حقيقي أو سيادة فلسطينية، وإذا كان الخيار ثانيًا، فإن فرض ترتيبات أمنية دولية أو متعددة الجنسيات قد يُغيّر الواقع الفلسطيني من داخل الأرض إلى وضع «حمى إدارة دولية» أو وصاية مؤقتة تتحول إلى دائمة. وما يترتب على ذلك في مجالات السياسة والقوة العسكرية وتهديد الأمن داخل الشرق الأوسط هو مشهد يعيد رسم التوازنات الإقليمية: إذ أن وجود أي قوة دولية أو أمنية متعددة الجنسيات في غزة سيؤثر على دور القوات الإقليمية، وقد يُستخدم لتوسيع النفوذ الأمريكي أو الغربي في المنطقة تحت عنوان “الإغاثة” أو “الحماية”. فهل سنشهد إذًا انتقالًا من احتلال مباشر إلى احتلال بغطاء دولي؟ وإذا كان الأمر كذلك، فماذا يعني ذلك للفلسطينيين وللوضع العربي ككل؟

مواقف فلسطينية وعربية تحذر من الوصاية الخارجية

من جانبها، عبّرت القيادة الفلسطينية عن رفضها لأي مقترحات تمس سيادة الأراضي الفلسطينية أو تعيد فرض الوصاية الأجنبية عليها. وأكدت وزارة الخارجية الفلسطينية أن الحل الحقيقي لأزمة غزة لا يمكن أن يتحقق عبر إرسال قوات أجنبية، بل من خلال وقف شامل لإطلاق النار، ورفع الحصار، وإطلاق عملية سياسية جادة تؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

كما صدرت - مسبقًا - بيانات عربية رسمية تؤكد الموقف ذاته، محذرةً من أن مشاريع «الحماية الدولية» قد تُستخدم لتبرير استمرار الاحتلال أو إطالة أمد الأزمة. وشددت عدة دول عربية على ضرورة أن تكون أي مبادرة مستقبلية بالتنسيق الكامل مع جامعة الدول العربية والسلطة الفلسطينية، وأن تضمن انسحاب الاحتلال من القطاع بدلًا من تكريس وجوده عبر ترتيبات أمنية جديدة.

التحذيرات من تكرار تجارب سابقة

ويحذر خبراء في القانون الدولي والعلاقات الدولية من أن تجربة نشر قوات دولية في مناطق نزاع مشابهة لم تؤدِّ دائمًا إلى استقرار طويل الأمد، بل خلقت في بعض الحالات واقعًا من الانقسام والوصاية. ويستشهد البعض بتجارب لبنان والبوسنة وكوسوفو، حيث أدى الوجود الدولي إلى تعقيد المسار السياسي وتأجيل الحلول الداخلية. ويخشى الفلسطينيون أن يتكرر السيناريو ذاته في غزة، بما يجعل القطاع رهينة قرارات خارجية لا تعبّر عن إرادة شعبه

المطلب الفلسطيني الواضح

في ظل هذه التطورات، يبقى الموقف الفلسطيني ثابتًا: أي جهد دولي يجب أن يهدف إلى إنهاء الاحتلال لا إلى استبداله بوصاية جديدة. ويطالب الفلسطينيون بأن تُوجّه الجهود الدولية نحو ضمان حماية المدنيين من العدوان وفتح المعابر أمام المساعدات، وليس نحو إنشاء ترتيبات أمنية تُبقي مصير القطاع رهنًا لقرارات القوى الكبرى.

وفي نهاية المطاف، يرى مراقبون أن الطريق نحو الاستقرار في غزة لا يمر عبر قوات دولية أو مشاريع حماية مؤقتة، بل عبر معالجة جذور الأزمة السياسية المتمثلة في استمرار الاحتلال وغياب العدالة. فالحماية الحقيقية، من وجهة النظر الفلسطينية، لا تتحقق بالسلاح الأجنبي بل بالحرية والسيادة، وبإرادة دولية صادقة تدعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإنهاء معاناته الممتدة منذ أكثر من سبعة عقود، كما أنَّ الاقتراح الأمركي المثير للجدل يضر بالجهود السابقة.