"دوّخيني يا لمونة"...رحلة العلاج المفقود في التأمين الصحي ببني سويف | المواطن يشكو والمسئول يؤكد حل جذري بعد "أسبوعين"

محافظات

التأمين الصحي ببني
التأمين الصحي ببني سويف

“دوخيني يا لمونة” لم تعد مجرد جملة شهيرة في الأغاني القديمة، لكنها باتت الوصف الأدق لحال المرضى داخل التأمين الصحي ببني سويف، حيث تبدأ رحلة المريض بحثًا عن العلاج وتنتهي غالبًا بورقة “روشتة” يؤجل صرفها، أو بعبارة الصيدلي الشهيرة: “العلاج ناقص يا حاج”.
فيما يعيش المواطن بين الأمل والإحباط، وبين نظام يُقال إنه شامل وواقع يشكو من ثغراته كل يوم.


 دوامة الروشتة والعلاج الناقص

المشهد في التأمين الصحي ببني سويف لا يختلف كثيرًا عن فيلم كوميدي من طراز قديم، بطلُه المريض الذي يدخل العيادة بعد عناء طويل، ليكشف، ويحصل على "الروشتة" المنتظرة، ثم يتجه إلى الصيدلية وهو يعلّق آماله على صرف العلاج... لكن المفاجأة تأتي سريعًا:

 "العلاج ناقص يا حاج، تعال بعد أسبوع يمكن يكون جه!"

يعود المريض بعد أسبوع، ومع ابتسامة أمل، يمد الروشتة نفسها، فيسمع العبارة الأشهر:

 "آسف يا حاج، ميعاد الروشتة فات، لازم تعمل واحدة جديدة!"

وهكذا تبدأ دوامة الروشتات والمواعيد، بين الطبيب والصيدلية، ليبقى المريض تائهًا في حلقة لا تنتهي، عنوانها "انتظر العلاج إن لقيته".

 

التأمين الصحي بني سويف 
التأمين الصحي بني سويف 


 أرقام تكشف التناقض

طبقًا لأحدث بيانات هيئة الرعاية الصحية، فإن عدد المنتفعين من نظام التأمين الصحي في مصر بلغ نحو 69 مليون شخص حتى عام 2024، ووصلت نسبة التغطية إلى نحو 78% من المواطنين.
وعلى الرغم من تقديم 57 مليون خدمة طبية خلال خمس سنوات في المحافظات التي بدأ فيها النظام الشامل، فإن بعض المحافظات – مثل بني سويف – ما زالت تشهد فجوات واضحة بين الأرقام الرسمية والواقع اليومي.

وفي بني سويف تحديدًا، أشار تقرير محلي في يوليو 2025 إلى وجود نقص في بعض الأصناف الدوائية داخل العيادة الشاملة، ما دفع المسؤولين لافتتاح صيدلية ثالثة مجانية بالدور الثالث لتقليل الزحام وتحسين الخدمة، بجانب تعيين صيادلة إضافيين لمواجهة الضغط المتزايد على صرف العلاج.

ورغم تلك الخطوات، ما زال المواطنون يشتكون من نقص الأدوية وصعوبة صرف العلاج في موعده، خصوصًا في حالات الأمراض المزمنة التي لا تحتمل التأخير.


 شكاوى المواطنين

يقول محمد صلاح  موظف على المعاش:

 "بقالي أسبوعين رايح جاي على الصيدلية، مرة العلاج ناقص، ومرة الميعاد فات، وفي الآخر اشتريت الدوا من بره عشان ماينفعش أستنى."

وتضيف أم محمد، ربة منزل:

 "ابني عنده مرض مزمن، والمفروض ياخد العلاج بانتظام، بس التأمين الصحي بقى رحلة عذاب، الدكاترة كويسين، بس الصيدلية دايمًا ناقصة الدوا!"

 

 رؤية خبراء الصحة

يرى عدد من الأطباء أن المشكلة لا تتعلق فقط بنقص الدواء، بل بسوء التنسيق بين إدارة الصيدليات ونظام صرف الروشتات الإلكتروني، الذي لا يراعي أحيانًا تأخر التوريد أو اختلاف مواعيد الصرف.
ويشير د. أحمد عبدالحميد، استشاري الصحة العامة، إلى أن "الأزمة يمكن حلها بسهولة من خلال ربط المخازن المركزية إلكترونيًا بكل فرع تأمين، بحيث تُحدّث الأصناف المتاحة فورًا، لتجنب رحلة المعاناة المتكررة".

 

مدير التأمين الصحي ببني سويف: “توفير 21 صيدلي و5 صيدليات جديدة لمواجهة الزحام.. وحل أزمة الأدوية خلال أسبوعين”

أكد الدكتور محمد يحيى، مدير فرع التأمين الصحي ببني سويف، في تصريح خاص ل “الفجر ”  أن المديرية اتخذت عددًا من الإجراءات العاجلة لمواجهة أزمة الزحام داخل صيدليات التأمين الصحي، مشيرًا إلى أنه تم توفير 21 صيدليًا جديدًا خلال الأيام الماضية لسد العجز في القوى البشرية داخل الصيدليات.

وأضاف يحيى أنه تم التوسع في فتح منافذ جديدة لخدمة المرضى، من بينها 5 صيدليات جديدة تم تشغيلها فعليًا لتخفيف الضغط عن الصيدليات المركزية، وضمان وصول الدواء للمستحقين بسهولة.

وحول أزمة نقص الأدوية، أوضح مدير التأمين الصحي أن المشكلة ليست قاصرة على بني سويف فقط، بل “معممة على مستوى الجمهورية نتيجة نقص التوريدات في بعض الأصناف”، مؤكدًا أن الصرف يتم حاليًا من الأدوية المتاحة لحين استكمال التوريد.

واختتم الدكتور محمد يحيى تصريحه قائلًا إن الأسبوعين المقبلين سيشهدان تنظيمًا أفضل وسدًّا واضحًا للعجز في الأدوية والكوادر الصيدلية، بما يضمن تحسين الخدمة المقدمة للمرضى وتقليل فترات الانتظار داخل الصيدليات.
 

بين الأرقام والواقع 

الأرقام تقول إن المنظومة تتوسع والخدمات تتحسن، لكن وجوه المرضى في الطوابير تحكي حكاية تانية.
بين تقرير رسمي يعلن عن "تغطية شاملة"، وعيون مواطن ينتظر علبة دواء واحدة، تضيع الحقيقة في المنتصف.
فما قيمة الإحصاءات إن لم تلمس وجع الناس؟ وما جدوى التطوير إن بقي المريض يدور في نفس الدائرة بلا نهاية؟

 

في نهاية اليوم، لا يطلب المريض أكثر من "حق بسيط"... علبة دواء تخفف وجعه، وروشتة تُصرف في وقتها دون معاناة أو دوخة على الأبواب.
ورغم الجهود الحكومية لتحسين الخدمة، يبقى الإنسان هو المعيار الحقيقي لنجاح أي نظام صحي.
ويبقى السؤال الذي يردده كل من خرج من بوابة التأمين الصحي في بني سويف، ممسكًا بورقته دون دوائه:

> "هو إحنا محتاجين نِتعالج... ولا محتاجين نتحايل عشان ناخد العلاج؟"