"أزمة المواصلات بالواسطى.. رحلتان من المعاناة يوميًا للوصول إلى بني سويف
في كل صباح، يتحول طريق الواسطى – بني سويف إلى مسرح لمعاناة لا تنتهي. مئات المواطنين يصطفون على جانبي الطريق في انتظار وسيلة نقل تقلّهم إلى المدينة، بينما تتصاعد صرخاتهم بين غياب الميكروباصات واعتمادهم على سيارات متهالكة لم تُصمم أصلًا لنقل البشر.
إنها حكاية يومية تتكرر في صمت، عنوانها "العذاب للوصول"، وبطلها أهالي قرى الواسطى الذين فقدوا الأمل في حل يضمن لهم أبسط حقوقهم.. وسيلة مواصلات آدمية.

الواسطى.. مركز كبير يعاني ضعف الخدمات
يعد مركز الواسطى من أكبر مراكز محافظة بني سويف من حيث عدد السكان والمساحة، إذ يبلغ تعداد سكانه أكثر من 550 ألف نسمة وفقًا لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، موزعين على ما يزيد عن 45 قرية وتابع.
ورغم هذا التعداد الكبير، لا تزال الخدمات الأساسية وعلى رأسها قطاع النقل والمواصلات تعاني من ضعف واضح، إذ لا توجد خطوط نقل عامة كافية تربط بين القرى ومدينة بني سويف، ما يجعل آلاف المواطنين يعتمدون على وسائل فردية وغير منظمة للتنقل اليومي، ويضاعف من معاناتهم في الذهاب إلى العمل أو الجامعة أو قضاء المصالح الحكومية.
سيارات البهائم بديل المواصلات في القرى.. الخطر يومي
في قرى مركز الواسطى، لا وجود لوسائل نقل آدمية. فلا ميكروباصات، ولا أتوبيسات داخلية، ولا حتى سيارات سرفيس منتظمة.
الأهالي يعتمدون على سيارات نصف نقل وبوكسات مخصصة لنقل البهائم والبضائع كوسيلة اضطرارية للتنقل اليومي من القرى إلى مدينة الواسطى أو بني سويف.
تلك السيارات البدائية تُجهّز بطريقة بدائية؛ مقاعد حديدية أو ألواح خشب تُثبت داخل الصندوق الخلفي، ويجلس الركاب متلاصقين في العراء، معرضين للأتربة والبرد والمطر دون أي وسيلة أمان.
يقول أحد سكان قرية الميمون: «مفيش ميكروباصات في القرى خالص، بنركب عربية نصف نقل بتنقل المواشي، بس إحنا مضطرين علشان نروح الشغل أو الجامعة».
وتضيف سيدة من قرية أطواب: «العربية دي خطر، بس مفيش بديل، ولا في رقابة، ولا مسئول بيشوف إحنا بنتعذب إزاي كل يوم».
ويؤكد الأهالي أن هذه السيارات تعمل دون ترخيص لنقل الركاب، وتتحرك بشكل عشوائي دون رقابة من المرور، مما يجعلها مصدر خطر داهم على حياة المواطنين، خاصة في الصباح الباكر أو أثناء العودة ليلًا.
وطالب الأهالي بتدخل عاجل لتوفير وسائل نقل آدمية ومنظمة داخل القرى، وإنشاء خطوط أتوبيسات تربط القرى بمدينة بني سويف، لأن «الطريق إلى المدينة أصبح مغامرة يومية محفوفة بالخطر».
قمة المعاناة
في ساعات الفجر الأولى، تبدأ المأساة. مئات من الأهالي يصطفون على جانبي الطريق في مشهد مألوف بات عنوانا للوجع اليومي في الواسطى. طلاب جامعات يحملون كتبهم وحقائبهم الثقيلة، وموظفون يهرولون للحاق بأعمالهم، وأمهات يرافقن أبناءهن إلى المدارس ينتظرون بلا أمل وسيلة تقلّهم إلى مدينة بني سويف.
تمر الدقائق بطيئة، والشمس ترتفع، ولا سيارات أجرة كافية، ولا أتوبيسات منظمة. بعضهم يضطر لاستقلال «توك توك» لمسافة تتجاوز قدرته المادية، وآخرون يتأخرون عن أعمالهم ودروسهم، بينما يقف كبار السن متعبين وسط الزحام والدخان.
إنها صورة تختصر أزمة مواصلات خانقة، جعلت التنقل اليومي عبئًا نفسيًا وجسديًا على المواطنين، في ظل غياب الحلول الجذرية حتى الآن.
طلاب القرى.. رحلتان يوميًا للجامعة بين الخطر والمعاناة
تتضاعف معاناة طلاب القرى التابعة لمركز الواسطى، ممن يدرسون في جامعة بني سويف، إذ تبدأ رحلتهم اليومية قبل طلوع الشمس، حيث يخرجون من منازلهم في قرى مثل ميدوم، وأطواب، وبني حدير، وقمن العروس، ليستقلوا سيارات نصف نقل أو بوكسات مخصصة للبهائم في طريقهم إلى مدينة الواسطى.
وبعد وصولهم، يواجهون رحلة أخرى لا تقل مشقة، بحثًا عن وسيلة تقلّهم إلى مدينة بني سويف التي تبعد نحو 35 كيلومترًا. وغالبًا ما يضطر الطلاب للانتظار لفترات طويلة على الطريق أو ركوب سيارات مزدحمة وغير آمنة للوصول إلى الجامعة.
تقول إحدى الطالبات من قرية بني حدير: «بخرج من البيت الساعة خمسة الصبح، بركب عربية نصف نقل للواسطي، وبعدها بدور على وسيلة تانية لبني سويف.. ساعات بوصل متأخرة عن أول محاضرة».
ويضيف طالب من قرية قمن العروس: «الموضوع مرهق جدًا ومكلف، كل يوم بندفع أجرة في عربيتين أو تلاتة، والمواصلات مش مضمونة».
ويؤكد الأهالي أن مئات الطلاب يعيشون هذا السيناريو اليومي القاسي، وسط غياب أي دعم أو تنظيم من الجهات المختصة، مطالبين بتخصيص أتوبيسات جامعية أو خطوط نقل طلابية تربط القرى بالجامعة بشكل مباشر لتخفيف العبء عنهم.
مطالب عاجلة
يطالب أهالي مركز الواسطى والقرى التابعة له بسرعة توفير خطوط سير منتظمة بين القرى والمدينة، وزيادة عدد السيارات العاملة على الخط إلى ما لا يقل عن 200 سيارة لتغطية الطلب اليومي، مع تخصيص أتوبيسات جامعية مدعمة للطلاب، وتشديد الرقابة على المركبات العاملة بالقرى لضمان سلامة المواطنين.