من موكب تحتمس إلى موكب الحضارة.. مصر تعيد كتابة التاريخ في افتتاح المتحف الكبير

المتحف المصري الكبير يعيد مجد الفراعنة.. المصريون يحتفلون كما احتفل تحتمس الثالث

أخبار مصر

المتحف المصري الكبير
المتحف المصري الكبير

في مشهدٍ حمل بين طيّاته عبق التاريخ وروح الحاضر، أطلّ المتحف المصري الكبير (GEM) على مصر والعالم، في افتتاحٍ احتفالي وصفه كثيرون بأنه «لحظة استيقاظ الحضارة» من جديد. 
وقد تزامن هذا الافتتاح مع حضور شعبي ورقمي على السواء، ألبس المصريون احتفالاتهم عباءة الفراعنة، فبدت المواكب الرقمية والمهرجانات الشعبية امتدادًا لتقاليد الاحتفال القديمة التي عرفها المصري القديم. 
في هذه المقالة، نعرض تفاصيل هذا الحدث الضخم، ونستعرض كيف تفاعل المصريون معه، ونُبرز الدلالات التاريخية والثقافية التي يحملها.

مشهد الافتتاح… مواكب وفرح جماعي

في الساعة التي انطلقت بها مراسم الافتتاح، بدا المشهد أشبه بمناسبة وطنية ضخمة، تجاوزت مجرد قص شريطٍ لإطلاق صرح ثقافي. حسب تقرير "اليوم السابع"، فإن الحدث ضمّ «نخبة من المطربين إلى جانب أوركسترا ضخم يضم 218 عازفًا ومغنيًا وراقصًا». 
كما وصفت وسائل إعلام أخرى كيف خرج المصريون إلى الشوارع ووسائل التواصل الاجتماعي، يحتفون بزيّ فرعوني أو بمظهر مستوحى من الملكة أو الملك، وكأن التاريخ عاد ليمشي بيننا مجددًا. 
واستعرض المحللون الأثريون كيف أن الاحتفال يتناغم مع طُقوس المصري القديم: مواكب، موسيقى، رقص، وولائم، شارك فيها الملوك والنبلاء والشعب على حدٍ سواء.

المتحف المصري الكبير 
المتحف المصري الكبير 

الجذور التاريخية من مواكب تحتمس الثالث إلى اليوم

حسب أستاذ الآثار أحمد بدران في جامعة القاهرة، فإن المصري القديم كان يُحفل بمناسبات كبرى شملت الملك والنبلاء وعامة الناس، وكانت الموسيقى والغناء والرقص جزءًا أساسيًا من هذه الطقوس. 
ويُشير أيضًا إلى أن تلك الاحتفالات كانت تُزينها ملابس ذات كتان فاخر، مجوهرات، تيجان وورد – وعلى رأسها زهرة اللوتس التي كانت رمزًا للجمال والحياة. 
وفي هذا السياق، يرى أنّ ما نشهده اليوم عند افتتاح المتحف ليس مجرد احتفال حديث، بل استحضار لطقوس كانت تُمارَس منذ آلاف السنين — مواكب تحتمس، مواكب الأعياد الكبرى، مواكب تتبعها الشعوب احتفاءً بملكها وبتاريخها.

دلالات احتفالية في العصر الحديث

إن احتفال مصر بهذا الصرح الحضاري لا يقتصر على الجانب الثقافي فحسب، بل يمتد إلى أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية:

من الجانب السياسي، يعتبر الافتتاح تأكيدًا على مكانة مصر كمركز حضاري إقليمي ودولي، على حدّ ما قاله الإعلامي خالد أبو بكر، الذي وصفه بأنه «إنجاز حضاري يحمل أبعادًا ضخمة».

من الجانب الاقتصادي، يشير الخبراء إلى أن المتحف سيفتح آفاقًا كبيرة في قطاعات السياحة والخدمات، ويُعدّ نقطة جذب تتجاوب مع رؤية مصر في التنمية المستدامة.

من الجانب الثقافي والاجتماعي، فإن مشاركة الأفراد – عبر الشوارع أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي – بزيّ فرعوني أو بمظاهر تراثية، تعكس رغبة جماعية في الربط بين الحاضر والماضي، والشعور بأننا ورثة حضارة عظيمة تستحق أن تُحتفل وتُعرض للعالم.

ما الذي يعيدنا للماضي؟ رموز وتجليات

من بين الرموز التي عبّرت عن هذا الربط بين الماضي والحاضر عند الافتتاح:

استحضار اسم الملك تحتمس، ومواكبٍ مماثلة لتلك التي ظهرت في نقوش جدران مقبرة الوزير «رخمي رع» في عهد تحتمس الثالث.

استخدام الموسيقى والعزف والرقص، كأنها «مواكب فرعونية» تُحيي مشاهد الاحتفالات القديمة.

ارتداء بعض المصريين لزيّ يشبه زيّ الفراعنة أو الملكات الفرعونيات، أو استخدام المرئيات الرقمية التي تحوّل الصور إلى شخصيات فرعونية.

الاعتماد على صرح ضخم — المتحف المصري الكبير — باعتباره «منصة تاريخية» تعرض للحضارة المصرية بصورة متكاملة وضخمة، وكأنها استكمال لمواكب الأمجاد القديمة في العصر الحديث.

لماذا "خطى الأجداد"؟ وما الذي نتعلمه؟

1. استمرارية الهوية: حين يرى المصري أن الاحتفال الحالي مستوحى من طقوس الأجداد، يتولد لديه شعور بالتماسك والانتماء، بأننا جزء من سلسلة حضارية طويلة.


2. قوة الرمزية: المواكب والاحتفالات لا تتعلق فقط بالمظاهر، بل تحمل رمزية — احتفاء بالملك، بالحضارة، بالوطن. وعند إعادة إنتاج هذه الرموز اليوم، نعيد تأكيدها.


3. الربط بين الماضي والحاضر: حين يُفتتح صرحٌ حضاري جديد، يكون مجرد مبنى إذا ظَهَر منعزلًا؛ لكن إذا ربطناه بذاكرة الأجداد، يصبح امتدادًا لتاريخ حي.


4. الإعلان الثقافي العالمي: عبر إقامة هذا الاحتفال الكبير، تعلن مصر للعالم أنها ليست فقط موطن حضارة قديمة، بل فاعلة في الحاضر، ومُصمّمة على إبراز إرثها أمام العالم.


5. تحفيز المشاركة الشعبية: ليس الأمر حكرًا على النخبة، بل خرج الناس في الشوارع والمجتمعات الرقمية، فكانت المشاركة فعليّة وليست مجرد مشاهدة.


مع افتتاح المتحف المصري الكبير، يتجسد شعار «على خطى أجدادنا الفراعنة» في واقع نعيشه اليوم. المواكب الرقمية والميدانية، الطقوس الاحتفالية، الرموز الفرعونية المعاد تفسيرها، كلها تؤسس لحظة فريدة: لحظة يُعيد فيها المصريون — وللمرة الألف — التأكيد أنهم أبناء حضارة عظيمة، وأنهم قادرون ليس فقط على الاحتفاظ بها، بل على تجديدها وتجسيدها في العصر الحديث.
إنها ليست مناسبة عاديّة.. إنها احتفال بتاريخٍ لا يُمحى، يُكتب من جديد على أرض مصر، وعلى يد أهل مصر.