تنزانيا على صفيح ساخن.. اضطرابات بعد الانتخابات واحتجاجات تطوّق العاصمة

تقارير وحوارات

دار السلام - الفجر
دار السلام - الفجر

 

 

تشهد تنزانيا توترًا غير مسبوق منذ إعلان نتائج الانتخابات العامة التي جرت الأسبوع الماضي، وسط احتجاجات واسعة وأعمال عنف وقطع للاتصالات، فيما تحاول الحكومة احتواء الموقف بفرض حظر تجول وتشديد أمني شامل في العاصمة دار السلام ومدن أخرى.


انتخابات مثيرة للجدل واتهامات بالتزوير

جاءت الانتخابات الأخيرة في أجواء مشحونة، حيث خاضت الرئيسة سامية صولوحو حسن، البالغة من العمر 65 عامًا، سباقًا انتخابيًا شبه محسوم بعد استبعاد أبرز منافسيها من الترشح، وعلى رأسهم المعارض البارز توندو ليسو، المحتجز بتهمة “الخيانة العظمى”، ومرشح حزب المعارضة الثاني الذي تم منعه من دخول السباق.

ووفق مراقبين، فإن غياب التعددية الحقيقية والقيود المفروضة على الأحزاب المعارضة جعل من العملية الانتخابية “استفتاءً مغلقًا”، الأمر الذي أثار غضبًا واسعًا في الشارع التنزاني.


تصاعد التوترات الأمنية ومحاولة اقتحام مطار دار السلام

شهدت العاصمة دار السلام، الخميس، احتجاجات حاشدة أعقبت إعلان النتائج، تخللتها محاولات اقتحام مطار جولياس نيريري الدولي من قبل متظاهرين سعوا إلى منع مغادرة شخصيات سياسية بارزة البلاد.

وأكد شهود عيان أن المتظاهرين قطعوا الطرق المؤدية إلى المطار ورفعوا لافتات كتب عليها “استرجعوا الوطن” و“أوقفوا التزوير”، قبل أن تتدخل قوات الأمن بعنف باستخدام الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية في بعض المواقع.

وذكرت سفارة الولايات المتحدة في تنزانيا أن عددًا من الطرق الرئيسية المؤدية إلى المطار “أُغلقت مؤقتًا”، محذّرة رعاياها من التحرك في العاصمة خلال ساعات الليل.

وأعلنت الشرطة عن فرض حظر تجوّل شامل من الساعة السادسة مساءً، مع انتشار مكثف للجيش والشرطة في شوارع دار السلام ودار المدن الساحلية الأخرى.

انقطاع الإنترنت وإغلاق المدارس

أقدمت الحكومة التنزانية على قطع خدمات الإنترنت والاتصالات في محاولة لاحتواء ما وصفته بـ "أعمال الشغب"، قبل أن تعيد الخدمة جزئيًا اليوم الخميس، حسب ما نقلته وكالة الأنباء الألمانية “د ب أ”.

كما تم إغلاق المدارس والمقار الحكومية، ووجّه السكرتير العام للحكومة موسى كوسيلوكا نداءً عبر الإذاعة الرسمية “تي بي سي” إلى المواطنين بضرورة البقاء في منازلهم حفاظًا على السلامة، بينما تم السماح لموظفي الخدمة المدنية بالعمل عن بُعد.

تقارير عن سقوط ضحايا واعتقالات واسعة

أفادت مصادر ميدانية وتقارير حقوقية بوقوع أكثر من 30 قتيلًا وعشرات الجرحى خلال يومين من الاحتجاجات، بينما لم تصدر السلطات بيانات رسمية بعد.
كما تحدثت منظمات حقوقية عن حملات اعتقال استهدفت نشطاء المعارضة والصحفيين، في ظل انتقادات محلية ودولية متزايدة لما وُصف بأنه تراجع خطير في حرية التعبير.


تحديات اقتصادية وسط الاضطرابات

تأتي هذه التطورات في وقت تسعى فيه الحكومة التنزانية إلى رفع صادراتها الزراعية إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2030، عبر تحسين الإنتاجية والالتزام بالمعايير الدولية.
إلا أن الاضطرابات السياسية الراهنة تهدد الثقة في الاقتصاد المحلي، وتؤخر خطط الاستثمار الأجنبي في قطاعات الطاقة والزراعة والسياحة.

ويرى محللون أن استمرار التوترات قد يضرب القطاع اللوجستي في موانئ دار السلام، الذي يمثل أحد أهم شرايين التجارة في شرق إفريقيا.


دور إقليمي متزايد رغم الأزمة الداخلية

ورغم التوترات الداخلية، تتولى تنزانيا رئاسة مجلس السلم والأمن الإفريقي لشهر يونيو المقبل، ما يضعها أمام اختبار حقيقي لقدرتها على قيادة ملفات إقليمية حساسة في ظل أزمة داخلية متفاقمة.
ويشمل جدول المجلس خلال فترة رئاستها قضايا الأمن في حوض بحيرة تشاد وانتشار السلاح في الساحل الإفريقي، إلى جانب تعزيز جهود السلام في القرن الإفريقي.

انتقادات حقوقية وتضييق على المعارضة

وفق تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش، شهدت تنزانيا خلال عام 2024 تصاعدًا في الاعتقالات التعسفية والانتهاكات ضد المعارضين والصحفيين، إلى جانب فرض قيود على عمل المنظمات المدنية والإعلام المستقل.
وترى المنظمة أن النظام الحاكم بقيادة حزب “تشاما تشا مابيندوزي” (Chama Cha Mapinduzi) يواصل إحكام قبضته على الحياة السياسية، مما يهدد فرص الانتقال الديمقراطي في البلاد.

 


بلد بين الاستقرار والطموح الديمقراطي

تجد تنزانيا نفسها اليوم بين سعيها لترسيخ الاستقرار والتنمية الاقتصادية، وبين ضغوط داخلية متزايدة تطالب بالإصلاح السياسي والشفافية.
وفي ظل استمرار التوترات والاحتجاجات، يبقى السؤال الأبرز:
هل تنجح الحكومة في احتواء الغضب الشعبي واستعادة الثقة في المسار الديمقراطي، أم أن دار السلام ستتحول إلى بؤرة جديدة لاضطرابات شرق إفريقيا؟