تحذيرات أممية ودولية من الوضع في السودان.. بين مخاوف التفكك وتفاقم مأساوي
 
يشهد السودان واحدة من أسوأ مراحله التاريخية منذ اندلاع الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث تتفاقم الأوضاع الإنسانية والأمنية بشكل متسارع ينذر بتفكك الدولة وانهيار مؤسساتها. ومع تصاعد الانتهاكات في إقليم دارفور، خصوصًا في مدينة الفاشر، تتوالى التحذيرات الأممية والدولية من كارثة وشيكة تهدد استقرار المنطقة بأكملها، وسط دعوات عاجلة لوقف القتال والعودة إلى طاولة المفاوضات.
تحذيرات الأمم المتحدة من تفكك السودان
حذرت الأمم المتحدة من تدهور غير مسبوق في الأوضاع داخل السودان، ووصفت مساعدة الأمين العام، مارثا بوبي، المشهد الإنساني بأنه "مرعب بكل المقاييس"، مشيرة إلى أن البلاد تسير بسرعة نحو التفكك والانهيار الكامل. وأوضحت أمام مجلس الأمن أن مكتب حقوق الإنسان وثّق انتهاكات جسيمة وواسعة النطاق في مدينة الفاشر ومحيطها، تضمنت عمليات قتل جماعي وإعدامات ميدانية خلال مداهمات للمنازل، وسط غياب شبه تام للممرات الآمنة للمدنيين الفارين.
وأكدت بوبي أن مخاطر ارتكاب فظائع جماعية وعنف عرقي تتزايد في مختلف أنحاء السودان، لا سيما في دارفور وشمال كردفان، حيث تفيد التقارير بارتكاب قوات الدعم السريع جرائم انتقامية بدوافع عرقية في مدينة بارا، أسفرت عن مقتل أكثر من خمسين مدنيًا، بينهم خمسة من متطوعي الهلال الأحمر الذين أُعدموا ميدانيًا. وأشارت إلى أن استمرار القتال يزيد من احتمالات انزلاق البلاد نحو كارثة إنسانية شاملة.
ودعت المسؤولة الأممية الأطراف المتحاربة إلى وقف فوري للأعمال العدائية والعودة إلى مفاوضات جادة بحسن نية، مؤكدة أن الوقت قد حان لبدء مسار سلام دائم ينقذ الشعب السوداني من مزيد من المعاناة. كما طالبت المجتمع الدولي بوقف التدخلات الخارجية التي تسهم في استمرار النزاع عبر تدفق الأسلحة والمقاتلين، محذّرة من أن أي تأخير في التحرك سيجعل من إعادة توحيد السودان أمرًا شبه مستحيل.
سقوط الفاشر وتفاقم المأساة الإنسانية
سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في 26 أكتوبر 2025 بعد حصار وهجمات استمرّت نحو 18 شهرًا، ما دفع آلاف المدنيين إلى الفرار وتسبّب في مجاعة داخل المدينة ومخيمات النازحين. وأظهرت تقارير الإغاثة الدولية ارتفاعًا كبيرًا في معدلات سوء التغذية بين الأطفال، واضطرار المدنيين إلى تناول علف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة، في ظل انقطاع المساعدات ومنع دخول الإمدادات الإنسانية.

توثيق الفظائع والانتهاكات الواسعة
وثّقت منظمة هيومن رايتس ووتش عشرات الفيديوهات التي تُظهر عناصر الدعم السريع وهم ينفذون إعدامات ميدانية ويمارسون عمليات قتل واغتصاب ونهب بحق الفارين من الفاشر. وحددت المنظمة مواقع بعض المشاهد قرب الساتر الترابي شمال غرب المدينة، مؤكدة أن هذه الأفعال ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتشكل نمطًا ممنهجًا من العنف العرقي.
تصاعد القصف والانتهاكات العرقية
شهدت الأشهر الأخيرة تصاعدًا في القصف بالطائرات المسيّرة وهجمات عشوائية أسفرت عن مقتل وإصابة العديد من المدنيين، مع تقارير عن اعتقالات واسعة واحتجاز صحفيين. كما حذّر مكتب مفوضية حقوق الإنسان من أن السودان يواجه خطر الإبادة الجماعية إذا لم يتم وقف العنف القائم على الهوية العرقية في دارفور وشمال كردفان.
طالبت هيومن رايتس ووتش والمجتمع الدولي مجلس الأمن والدول المؤثرة، خاصة الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، مصر، الإمارات)، بفرض عقوبات فورية على قيادات الدعم السريع، تشمل تجميد الأصول وحظر السفر ومحاسبتهم على الجرائم المرتكبة. كما أشارت تقارير إلى تورط جهات خارجية في دعم وتسليح الميليشيا، بما في ذلك وجود مقاتلين أجانب وتدريب عسكري خارجي.
تؤكد المنظمات الدولية على ضرورة تحرّك عاجل وحاسم من المجتمع الدولي لحماية المدنيين، وفرض إجراءات استهدافية ضد قادة الدعم السريع، وعلى رأسهم محمد حمدان دقلو وشقيقه عبد الرحيم. كما دعت إلى جلسات استماع لمجلس الأمن مع المتضرّرين مباشرة من الصراع، وإلزام الدول الداعمة للميليشيا باستخدام نفوذها لوقف الاعتداءات فورًا.
الرؤية المصرية تجاه الأزمة السودانية
ومن جانبها، تتابع مصر التطورات السودانية عن كثب، معتبرة أن الملف السوداني جزء لا يتجزأ من أمنها القومي، خصوصًا مع ارتباطه بمفاوضات سد النهضة الإثيوبي. فالقاهرة ترى في السودان عمقًا استراتيجيًا وشريكًا أساسيًا في الدفاع عن حقوق دولتي المصب في مياه النيل، وتؤكد أن استقراره يمثل ضمانة لعدم اختلال موازين القوى في المنطقة.

كما تشدد القاهرة على أن استقرار السودان ضروري لتأمين الممرات الحيوية في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، وهو ما يفسر تنامي التنسيق المصري–الإريتري في مواجهة التهديدات الإثيوبية ومحاولات أديس أبابا الوصول إلى منافذ بحرية جديدة، وهي خطوات تعتبرها مصر جزءًا من استراتيجية تهدد أمن المنطقة وتؤثر على ملف المياه بشكل مباشر، حسب ما تم تأكيده في لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم نظيره الإريتري أسياس أفورقي إلى القاهرة
تتّضح الصورة اليوم بأن السودان يقف على حافة كارثة إنسانية وأمنية كبرى، وسط تحذيرات أممية ودولية متصاعدة من خطر التفكك والفوضى. وبينما تتواصل الانتهاكات في دارفور ومناطق أخرى، يظل الأمل معقودًا على تحرك دولي جاد يضع حدًا للعنف، ويعيد إحياء مسار سياسي يضمن سلامًا دائمًا واستقرارًا مستدامًا، يحافظ على وحدة السودان ويحمي أمن المنطقة بأكملها.