الكنيست يصادق تمهيديًا على قانونَي "السيادة الإسرائيلية" في الضفة الغربية: خطوة نحو الضم الفعلي
في خطوة وُصفت بأنها الأخطر منذ عقود، صادق الكنيست الإسرائيلي بأغلبية محدودة على مشروعَي قانون يهدفان إلى فرض “السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية والمستوطنات غير القانونية، في محاولة لتكريس ضم فعلي للأراضي الفلسطينية المحتلة.
ورغم أن التصويت تم في مرحلة تمهيدية، إلا أن المراقبين وصفوه بأنه يمثل تحولًا نوعيًا في النهج التشريعي الإسرائيلي، ويعكس تصاعد نفوذ اليمين المتطرف داخل مؤسسات الدولة، على حساب الالتزامات الدولية ومبادئ عملية السلام.
مشروعان لتوسيع السيطرة وشرعنة المستوطنات
القانون الأول ينص على تطبيق القوانين والأنظمة القضائية والإدارية الإسرائيلية في الضفة الغربية بأكملها، بما في ذلك المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية. وقد أُقرّ بأغلبية صوت واحد فقط (25 مقابل 24)، في خطوة تُعد الأولى من أربع مراحل تشريعية مطلوبة لإقراره نهائيًا.
أما القانون الثاني، فيركّز على ضم مستوطنة “معالي أدوميم”، أكبر الكتل الاستيطانية شرق القدس، لتصبح خاضعة مباشرة للقوانين الإسرائيلية. وقد حظي هذا المشروع بتأييد أوسع داخل الكنيست (31 مقابل 9)، في مؤشر على الدعم المتزايد للمشروعات الجزئية للضم التدريجي.
ومن المنتظر أن تُحال مشاريع القوانين إلى لجنة الخارجية والدفاع لإجراء المراجعات قبل عرضها مجددًا على القراءة الأولى.
سياق سياسي ودبلوماسي مضطرب
تزامن التصويت مع زيارة نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس لإسرائيل، وسط ضغوط دبلوماسية أميركية لتجميد المشروع خشية تأثيره على التفاهمات القائمة في المنطقة.
ورغم تحفظات داخل الحكومة الإسرائيلية، وامتناع بعض وزراء حزب “الليكود” عن التصويت، فإن أحزاب اليمين الديني والقومي دفعت بالمشروع قدمًا باعتباره “استحقاقًا تاريخيًا”.
ويأتي التحرك بالتوازي مع خطط حكومية لتوسيع المستوطنات القائمة وشرعنة بؤر استيطانية جديدة، ضمن خطة أشمل لضم 13 مستوطنة سبق الإعلان عنها مطلع العام الجاري.
انتهاك صارخ للقانون الدولي
من منظور القانون الدولي، يعتبر المشروعان انتهاكًا واضحًا لاتفاقيات جنيف الرابعة، التي تحظر على القوة المحتلة نقل سكانها إلى الأراضي المحتلة أو تغيير طابعها القانوني والديموغرافي.
كما يخالفان قرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار 2334، الذي أكد أن المستوطنات الإسرائيلية “لا تمتلك أي شرعية قانونية وتشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي”.
وفي رأيها الاستشاري الصادر في 22 أكتوبر 2025، أكدت محكمة العدل الدولية أن فرض السيادة على الأراضي الفلسطينية “يتنافى مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير”، وأن إسرائيل ملزمة بوقف جميع الإجراءات التي تكرس الاحتلال أو تعيق وصول المساعدات إلى المدنيين.
انعكاسات سياسية وحقوقية
يُنظر إلى الخطوة بوصفها تهديدًا مباشرًا لإمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود 1967، إذ يفتح الضم الرسمي الباب أمام مصادرة أوسع للأراضي الفلسطينية، وتطبيق القوانين الإسرائيلية على السكان دون منحهم حقوقًا سياسية متكافئة.
ويرى خبراء القانون الدولي أن أي ضم أحادي الجانب يُعد باطلًا قانونيًا، حتى لو تم ضمن التشريع الداخلي الإسرائيلي، لأنه يتعارض مع التزامات إسرائيل بموجب المواثيق الدولية، ويعرضها للمساءلة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
رفض عربي ودولي واسع
أدانت مصر والأردن وتركيا وباكستان وقطر والكويت وليبيا والسعودية، ضمن بيان مشترك، مصادقة الكنيست على المشروعين، واعتبرت الخطوة “انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة”.
الولايات المتحدة، من جهتها، حذرت عبر وزير الخارجية ماركو روبيو من أن تمرير هذه القوانين “سيهدد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ويقوض جهود إعادة الاستقرار الإقليمي”.
أما السلطة الفلسطينية والفصائل الوطنية، فأكدت أن مشاريع الضم تمثل “عدوانًا سافرًا على الحقوق الفلسطينية” ومحاولة لتصفية ما تبقى من حل الدولتين.
وفي المقابل، اعتبر محللون سياسيون أن التصويت لا يزال رمزيًا في هذه المرحلة، مشيرين إلى أن الضغوط الأميركية والأوروبية قد تؤدي إلى تجميد المسار التشريعي، وإن كانوا يرون أن “النية السياسية للضم أصبحت الآن أكثر وضوحًا من أي وقت مضى”.
في النهاية، هذه التطورات تشير إلى أن إسرائيل تتجه نحو تطبيع الضم بحكم القانون بعد أن كرسته بحكم الواقع، ما يضع المجتمع الدولي أمام اختبار جديد لمدى قدرته على حماية النظام القانوني الدولي، وضمان حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه.