مستشفى الحميات اختفت.. والوباء القادم سيجد الواسطي عارية تمامًا!

جريمة في حق الصحة.. من سرق مستشفى حميات الواسطي ببني سويف

محافظات

مستشفي الواسطي
مستشفي الواسطي


.في واحدة من أكثر القضايا التي تثير الحزن في الشارع الواسطي، تحوّلت مستشفى حميات الواسطي  التي كانت تُعد من أقدم منشآت العزل والعلاج من الأمراض المعدية في شمال محافظة بني سويف  إلى مقر لقسم شرطة الواسطي منذ ما يقرب من 10 سنوات، لتختفي معها خدمة طبية كانت تخدم أكثر من 350 ألف نسمة من أبناء المركز والقرى التابعة له

صورة من داخل مبني مستشفي الحميات الواسطي 
صورة من داخل مبني مستشفي الحميات الواسطي 

المستشفى التي كانت تضم نحو 40 سريرًا وغرفة عناية مركزة صغيرة ومعمل تحاليل حميات متخصص، أصبحت اليوم خارج الخدمة تمامًا، بعد نقل تبعيتها إلى مديرية الأمن، ما حرم المواطنين من مرفق طبي كان يشكّل الخط الدفاعي الأول ضد أمراض الصيف والشتاء مثل الحمى الفيروسية والتهاب الكبد الوبائي.

يقول الأهالي إنهم فوجئوا في عام 2015 بانتقال قوات الشرطة إلى مبنى المستشفى بعد تهالك قسم الشرطة القديم، على أن يكون الوضع مؤقتًا، لكن السنوات مرّت، وتحول المؤقت إلى واقع دائم دون صدور قرار رسمي بإعادة المبنى لوزارة الصحة.

تقول منى عبد الفتاح (45 عامًا)، معلمة من مدينة الواسطي:

 "كنا بنعتمد على مستشفى الحميات في علاج الأطفال وقت الحمى والأنفلونزا. دلوقتي بنضطر نسافر أكتر من 35 كيلومتر لحد مستشفى حميات بني سويف، واللي غالبًا بيكون مزدحم جدًا."

أما فاطمة خالد (22 عامًا)، طالبة جامعية، فتؤكد:

 "اللي حصل ظلم كبير.. المستشفى كانت بتخدم أكتر من 20 قرية حوالينا، دلوقتي لو حد عنده عدوى فيروسية أو حمى شديدة، لازم يروح المحافظة. دا خطر على حياة الناس."

تقارير صحفية عن اختفاء المستشفي 2018
تقارير صحفية عن اختفاء المستشفي 2018

 كورونا كشفت الفجوة.. والواسطي بلا مستشفى أوبئة

خلال ذروة جائحة كورونا عامي 2020 و2021، عاش أهالي الواسطي واحدة من أقسى فترات المعاناة الصحية في تاريخ المدينة، بعد أن وجدوا أنفسهم بلا مستشفى عزل أو حتى قسم طوارئ مجهز للأوبئة.
كانت سيارات الإسعاف تُنقل الحالات المؤكدة إلى مستشفيات ناصر وبني سويف العام، على مسافة تتجاوز 35 كيلومترًا، مما أدى إلى تدهور حالات كثيرة أثناء الطريق.

يقول محمد عبدالعاطي (52 عامًا)، موظف من قرية الميمون:

> "فقدنا ناس كتير وقت كورونا.. كان فيه مرضى بيتنقلوا في عربيات خاصة لأن الإسعاف اتأخر أو عشان مفيش أماكن. لو كان عندنا مستشفى حميات، أكيد ناس كتير كانت عاشت."

 وتشير تقديرات من مسؤولين محليين سابقين إلى أن نحو 70% من حالات الإصابة في الواسطي كانت تُعالج خارج المدينة، ما أدى إلى ضغط رهيب على مستشفيات المحافظة وتكاليف باهظة للأهالي، خاصة في القرى البعيدة مثل إنفسط وقمن العروس والنويرة.

حلول مؤقتة لا تُغني عن مستشفى حقيقي

في مواجهة مطالب الأهالي بعودة مستشفى الحميات، اكتفت مديرية الصحة ببني سويف خلال الأعوام السابقة  بإدراج عدد محدود من الأسرة داخل مستشفى الواسطي المركزي تحت بند “عزل حالات حميات”، حيث لا يتجاوز عددها 6 إلى 8 أسِرّة فقط داخل قسم الباطنة، مع تخصيص غرفة واحدة للعزل المؤقت.
إجراء وُصف من الأهالي والأطباء بأنه حل تجميلي لا يرقى لمستوى الخدمة المطلوبة، فغياب معمل فيروسات، ونقص الأجهزة، وعدم وجود طاقم متخصص في الأمراض المعدية، يجعل تلك الأسرة رمزية أكثر منها علاجية.

وأكد أحد الأطباء العاملين بالمستشفى  فضل عدم ذكر اسمه أن "الأسِرّة الحالية لا تكفي حتى لاستيعاب يوم واحد من الحالات المعتادة في موسم الصيف، فما بالك لو حدث تفشٍ وبائي".
مشددًا على أن الحل الوحيد هو عودة مستشفى حميات الواسطي بكامل طاقتها وتجهيزاتها، لأنها كانت تمثل الدرع الطبي الوقائي الأول للمدينة وقراها

ماذا لو ضرب وباء جديد؟

الغياب المستمر لمستشفى الحميات يطرح سؤالًا مقلقًا: ماذا لو مرّت الواسطي بوباء جديد؟
فمستشفى الواسطي المركزي – رغم أهميته – لا يمتلك القدرة الاستيعابية أو التجهيزات اللازمة للتعامل مع أمراض معدية واسعة الانتشار، إذ لا يحتوي على وحدة عزل مجهزة أو معمل فيروسات متخصص.
وفي حال تفشّي وباء جديد، ستتكرر مأساة كورونا وربما بأسوأ شكل، حيث سيضطر المواطنون مجددًا إلى الانتقال عشرات الكيلومترات لتلقي العلاج، ما يعني أن الوقت قد يقتل المرضى قبل أن يفعل الفيروس نفسه.


ووفقًا لتقديرات  فإن مركز الواسطي يضم نحو 380 ألف مواطن، ولا توجد به حاليًا أي مستشفى متخصصة في علاج الحميات أو الأمراض المعدية، مما يضاعف الضغط على مستشفيات الواسطي، بني سويف وناصر، حيث يتم نقل ما يقرب من 15 إلى 20 حالة يوميًا إلى هناك بسبب غياب مستشفى الحميات المحلي.

وأكد مصدر صحي بالمحافظة أن مديرية الصحة تقدمت بأكثر من مذكرة لإعادة المستشفى إلى الخدمة أو تخصيص قطعة أرض جديدة لإنشاء مستشفى بديل، لكن لم يُتخذ قرار فعلي حتى الآن، في ظل تمسك الأجهزة الأمنية بالمبنى الحالي كمقر دائم.

وفي الفقرة الرسمية الختامية، كشف أحد أعضاء مجلس النواب عن دائرة الواسطي وناصر أنه تقدم خلال الدورة البرلمانية الأخيرة بطلب إحاطة رسمي إلى وزارتي الداخلية والصحة حول مصير المستشفى، مشيرًا إلى أن هناك خطة مقترحة لإنشاء مستشفى حميات جديدة على مساحة 5 آلاف متر ضمن توسعات القطاع الصحي بشمال المحافظة.

وأوضح النائب أن التمويل المقترح للمشروع يُقدر بنحو 120 مليون جنيه كمرحلة أولى للبناء والتجهيز، على أن يتم التنفيذ خلال عامي 2026 – 2027 حال إدراجه ضمن الخطة الاستثمارية لوزارة الصحة.

 موقع المستشفى:


تقع مستشفى حميات الواسطي القديمة في مدخل المدينة الشرقي بجوار مجمع المدارس، على بُعد نحو 800 متر فقط من موقف السيارات العمومي، وهو موقع حيوي يخدم أكثر من 20 قرية مثل (إنفسط، الميمون، النويرة، جزيرة الميمون، وقمن العروس).
ويُظهر جوجل ماب أن أقرب مستشفى حميات بديلة تبعد أكثر من 34 كم في قلب مدينة بني سويف، أي ما يقرب من 45 دقيقة بالسيارة، وهو ما يجعل الحالات الحرجة عرضة للخطر أثناء النقل

 صور ميدانية وشهادات الأهالي:


رصدت عدسة «موقع الفجر» المشهد من أمام المبنى القديم، حيث يعلو السور لافتة "قسم شرطة الواسطي"، فيما ما زالت على أحد الجدران بقايا لوحة قديمة كتب عليها "مستشفى الحميات – وزارة الصحة"، لتختصر الصورة مأساة مدينة حُرمت من حقها في العلاج.


 ختامًا.. من يحاسب المسؤول؟

بعد مرور ما يزيد على عشر سنوات كاملة من تحويل مستشفى حميات الواسطي إلى مقر أمني، ما زال المسؤولون يتبادلون الوعود دون أفعال.
تتعاقب الإدارات، وتتغير الخطط، بينما يبقى المواطن في الواسطي هو الضحية الوحيدة لقرارات ارتُجلت بلا دراسة ولا ضمير.
لم يعد السؤال عن "متى تُعاد المستشفى" فقط، بل عن لماذا صمتت الجهات التنفيذية طوال هذه المدة؟
وكيف يُعقل أن تُسلب منشأة طبية كانت تخدم مئات الآلاف من المواطنين دون بديل؟

يقول أحد الأهالي غاضبًا:

> "المسؤولين فاكرين إن الناس نسيت، بس كل بيت في الواسطي خسر مريض أو عاش مأساة بسبب غياب المستشفى. دي مش قضية مبنى، دي قضية حياة!"

 

إن استمرار هذا الوضع يُعد إهمالًا إداريًا جسيمًا يستوجب محاسبة كل من شارك في تعطيل المستشفى أو تجاهل إعادة تشغيلها، لأن الأمن لا يكتمل إلا بأمن صحي يحمي أرواح الناس.
ويبقى الأمل أن يتحرك محافظ بني سويف ووزارتا الصحة والداخلية لإعادة الحق إلى مكانه، قبل أن يكتب التاريخ أن مدينة كاملة دفعت ثمن صمت المسؤولين.