«ويبقى الأمل».. عندما تتحول المأساة إلى طاقة نور على شاشة الجونة

وسط زخم المهرجانات السينمائية التي تتنافس على لفت الأنظار بالإبهار البصري والتقنيات الحديثة، جاء الفيلم الوثائقي الإماراتي «ويبقى الأمل» ليعيد للسينما دورها الأصيل كقوة إنسانية قادرة على ملامسة القلب قبل العين.
الفيلم الذي أنتجه مجلس الشؤون الإنسانية الدولية، وعُرض ضمن فعاليات الدورة الثامنة من مهرجان الجونة السينمائي، حمل جمهوره في رحلة بصرية مؤثرة إلى غزة، حيث الصعاب والدمار، لكنه اختار أن يروي الحكاية من زاوية أخرى… زاوية الأمل.
منذ المشهد الأول، ينجح الفيلم في الإمساك بروح المتلقي، لا عبر مشاهد المآسي، بل من خلال وجوه بشرية تنبض بالحياة رغم كل شيء. الكاميرا تتحرك برهافة، ترصد التحولات النفسية والإنسانية لسكان القطاع، لتقدم حكايات حقيقية عن أطفال ونساء وشيوخ عاد إليهم الضوء في العيون بعد عتمة الحرب، بفضل مبادرات إنسانية أعادت لهم الإحساس بالأمان.
هذا العمل لا يكتفي بالتوثيق، بل يصنع من المعاناة سردًا بصريًا يمزج بين الأمل والرجاء.
المخرج اختار أن يُظهر أثر المبادرات الإنسانية الإماراتية في غزة، مثل المستشفيين الميدانيين، والإجلاء الطبي لمئات المرضى إلى أبوظبي، ومبادرات الرعاية في مدينة الإمارات الإنسانية، دون أن يقع في فخ الدعاية أو التقريرية. بل قدّمها كخيوط ضوء وسط الظلام، بلغة بصرية شاعرية أقرب إلى قصيدة في حب الإنسان.
خلال العرض، ساد الصمت القاعة، تبعه تصفيق طويل من الجمهور الذي لم يخفِ تأثره. المخرج لم يحتج إلى مؤثرات أو نجوم، بل اعتمد على الصدق الإنساني وحده، فكان الفيلم حقيقيًا بقدر ما هو مؤلم وجميل في آن واحد.
وعقب العرض، جاءت الندوة التي حملت عنوان «السينما كأدوات فعالة من أجل الإنسانية» لتؤكد الرسالة التي تبناها الفيلم.
فقد تحدث الدكتور حمدان مسلم المزروعي، رئيس مجلس إدارة هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، عن أهمية السينما كجسر إنساني قادر على تجاوز الأرقام إلى المشاعر، مؤكدًا أن «السينما لا تخاطب المنطق فقط، بل تحاور القلب والعاطفة». وأشار إلى أن جهود الإمارات الإنسانية في غزة لم تكن لتصل إلى هذا المستوى من النجاح لولا التعاون الكبير مع مصر.
أما السفير حمد عبيد الزعابي، سفير الإمارات لدى القاهرة، فقد قدّم رؤية عميقة لدور الفن في توثيق العمل الإنساني، معتبرًا أن العلاقات المصرية الإماراتية نموذج يُحتذى في التنسيق والتكامل، خصوصًا في دعم غزة من خلال معبر العريش.
المفاجأة كانت في مداخلات النجوم، حيث أعرب كل من الفنان حسين فهمي والفنانة يسرا عن إعجابهما الشديد بالفيلم، مؤكدين أن هذا النوع من السينما يجب أن يُقدَّم أكثر لأنها تعبّر عن الإنسان الحقيقي ومعاناته، وتعيد للفن رسالته الكبرى في الدفاع عن الحياة والكرامة.
في نهاية العرض، لم يكن الجمهور يصفق لفيلم فقط، بل لرسالة أمل تجسدت على الشاشة.
«ويبقى الأمل» ليس مجرد عمل وثائقي عن غزة، بل تجربة فنية وإنسانية تؤكد أن الأمل، مهما كانت الجراح، يمكن أن يولد من رحم الألم.
إنه فيلم يذكّرنا بأن السينما، حين تخلص للإنسان، تصبح فعل خير بقدر ما هي فن.