ساناي تاكاياشي.. أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في تاريخ اليابان
في تحول تاريخي وغير مسبوق في الحياة السياسية اليابانية، أصبحت ساناي تاكاياشي، يوم الثلاثاء 21 أكتوبر 2025، أول امرأة في تاريخ اليابان تتولى منصب رئيسة الوزراء، بعد فوزها في تصويت مجلس النواب، لتبدأ فصلًا جديدًا في المشهد السياسي للبلاد التي عُرفت بتقاليدها المحافظة.
صعود تاريخي ومسيرة سياسية طويلة
تاكاياشي، البالغة من العمر 64 عامًا، تنتمي إلى الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم (يمين محافظ)، وامتدت مسيرتها السياسية لأكثر من ثلاثة عقود. شغلت مناصب بارزة أبرزها وزيرة الدخل الوطني، ومساعدة رئيس الوزراء الأسبق شينزو آبي، ما منحها خبرة عميقة في إدارة الملفات الاقتصادية والأمنية المعقدة.
وفي 4 أكتوبر 2025، فازت برئاسة الحزب الليبرالي الديمقراطي بعد مفاوضات مكثفة وتحالف مفاجئ مع حزب "إيشين" اليميني الإصلاحي، لتضمن غالبية مريحة في البرلمان، حيث حصلت على 237 صوتًا مقابل حاجز الأغلبية المطلقة البالغ 233 صوتًا.
وتأتي هذه الخطوة بعد استقالة رئيس الوزراء السابق شيغيرو إيشيبا على خلفية خسائر انتخابية وفضيحة مالية هزّت الحزب الحاكم، لتصبح تاكاياشي خامس رئيس وزراء للبلاد خلال عامين فقط، في مؤشر على هشاشة المشهد السياسي الياباني مؤخرًا.
رؤية محافظة.. ونهج قومي واضح
تتبنى ساناي تاكاياشي نهجًا محافظًا وقوميًا واضح المعالم، يعكس تيار اليمين الياباني التقليدي الذي يركز على تعزيز القدرات الدفاعية واستعادة النفوذ الاقتصادي والسياسي لليابان على الساحة الدولية.
وتؤمن تاكاياشي بأن على اليابان أن "تكون دولة مسؤولة تجاه الأجيال المقبلة"، في إشارة إلى ضرورة مواجهة تراكم الديون والإصلاح المالي دون المساس بمكانة البلاد العالمية.
السياسة الخارجية: تحالفات أقوى وموقف حازم تجاه الصين
في السياسة الخارجية، تؤكد تاكاياشي التزامها بتعميق التحالف الأمني مع الولايات المتحدة، خاصة في ظل تصاعد التوترات مع الصين وكوريا الشمالية.
وتخطط لرفع الإنفاق العسكري إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وتطوير قدرات "قوات الدفاع الذاتي" من خلال اقتناء أسلحة متقدمة وتوسيع التعاون الدفاعي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
كما تدعم تاكاياشي موقفًا أكثر صرامة في قضية جزر سنكاكو المتنازع عليها مع الصين، مع الحفاظ على الدبلوماسية الهادئة التي تميز السياسة اليابانية التقليدية.
ومن المتوقع أن تركز على تعزيز الشراكات مع دول الشرق الأوسط، خصوصًا السعودية ومصر، في مجالات الطاقة والاستثمار.
الاقتصاد: "اليابان المسؤولة"
اقتصاديًا، تواجه تاكاياشي تحديات جسيمة أبرزها التضخم المرتفع (نحو 3%) والديون العامة التي تجاوزت 250% من الناتج المحلي الإجمالي — وهي الأعلى بين دول مجموعة السبع.
طرحت رئيسة الوزراء الجديدة خطة إصلاح شاملة بعنوان "اليابان المسؤولة"، تتضمن:
خفض الضرائب على الشركات الصغيرة والمتوسطة لتحفيز الاستثمار.
دعم الابتكار في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، الذكاء الاصطناعي، والروبوتات.
تشجيع الاستثمار الأجنبي عبر تبسيط الإجراءات والحوكمة المالية.
التحول إلى الطاقة الخضراء وتقليل الاعتماد على الواردات النفطية.
وتراهن تاكاياشي على النمو المستدام والعدالة الجيلية، مؤكدة أن اليابان "لن تترك عبء الديون يثقل كاهل الأجيال المقبلة".
ويرى خبراء اقتصاديون أن نجاح سياساتها قد يرفع معدل النمو إلى 1.5% في عام 2026، لكنه سيظل رهينًا بمدى استقرار التحالفات السياسية وثقة الأسواق.
تحديات داخلية وصورة رمزية جديدة
تواجه تاكاياشي ملفات شائكة تشمل انخفاض الثقة الشعبية بالحزب الحاكم عقب الفضائح المالية، والشيخوخة السكانية التي تهدد توازن سوق العمل.
لكن رمزية كونها أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة تمنحها زخمًا أخلاقيًا ومعنويًا، وقد تمثل نقطة تحول في صورة القيادة اليابانية أمام العالم.
في النهاية تولي ساناي تاكاياشي رئاسة الوزراء يمثل لحظة فارقة في التاريخ الياباني الحديث — ليس فقط لأنها أول امرأة تصل إلى هذا الموقع، بل لأنها تقود في لحظة حساسة تتطلب توازنًا بين الإصلاح الاقتصادي والاستقلال السياسي وتعزيز الدور الإقليمي لليابان.
وفي ظل التحولات الدولية المتسارعة، ستكون قدرتها على تحقيق الاستقرار الداخلي والانفتاح الخارجي هي الاختبار الحقيقي لزعامة اليابان الجديدة.