مدغشقر بعد الإطاحة بالنظام: “جيل زد” يرفع صوته بمطالب التغيير أمام الرئيس الجديد مايكل راندريانيرينا

تشهد مدغشقر مرحلة فارقة من تاريخها السياسي بعد انقلاب عسكري قاده العقيد مايكل راندريانيرينا في 17 أكتوبر 2025، أنهى حكم الرئيس أندري راجولينا الذي فرّ من البلاد عقب احتجاجات شبابية غير مسبوقة قادها جيل “زد”، احتجاجًا على تدهور الخدمات الأساسية وارتفاع معدلات الفقر والفساد.
ومع تشكيل سلطة انتقالية جديدة، تتجه الأنظار إلى مدى قدرة القيادة العسكرية على تلبية مطالب الشارع وتحقيق الإصلاحات التي خرج من أجلها المواطنون.
خلفية الأزمة
على مدى الأشهر الماضية، شهدت مدغشقر تصاعدًا في التظاهرات بسبب انقطاعات الكهرباء والماء ونقص المواد الغذائية الأساسية، ما فجر غضب فئة الشباب التي تمثل أكثر من 60% من سكان البلاد.
تطورت الاحتجاجات من مطالب خدمية إلى دعوات لإصلاح شامل للنظام السياسي ومحاسبة المسؤولين عن سوء الإدارة والفساد المستشري في مؤسسات الدولة.
عجز حكومة راجولينا عن التعامل مع الأزمة وتزايد القمع الأمني دفع الجيش للتدخل، معلنًا “انحيازه للشعب” وتوليه السلطة مؤقتًا.
الرئيس الجديد وبرنامج “التغيير العميق”
أدى العقيد مايكل راندريانيرينا اليمين رئيسًا مؤقتًا، متعهدًا بـ “تغيير عميق” خلال فترة انتقالية تتراوح بين 6 أشهر إلى عامين، تشمل إصلاح النظام الإداري، ومكافحة الفساد، وتحسين الخدمات العامة.
وأكد في خطابه الأول أن الجيش “لن يحكم، بل سيعيد البلاد إلى المسار المدني والديمقراطي”، معلنًا نية تشكيل حكومة انتقالية تضم ممثلين عن الشباب والمجتمع المدني.
مطالب الشعب من النظام الجديد
منذ الأيام الأولى لتوليه السلطة، رفعت فئات المجتمع في مدغشقر – وعلى رأسها الشباب وجيل زد – قائمة واضحة من المطالب، تلخصت في خمس نقاط رئيسية:
1. تحسين الخدمات الأساسية:
تأمين الكهرباء والماء بشكل منتظم بعد سنوات من الانقطاعات المزمنة التي شلّت حياة المواطنين.
2. إصلاح النظام الصحي والغذائي:
معالجة أزمة الجوع وسوء التغذية التي تهدد نحو 2.5 مليون شخص، وتحسين الخدمات الطبية في المناطق الريفية.
3. مكافحة الفساد الإداري والمالي:
إجراء تحقيقات شفافة في ملفات الفساد السابقة، وضمان رقابة فعالة على المال العام.
4. إشراك الشباب في صنع القرار:
إنشاء مجلس وطني للشباب يكون له دور استشاري في المرحلة الانتقالية، وإتاحة الفرصة لجيل جديد من القيادات السياسية.
5. ضمان انتقال مدني سلمي:
وضع جدول زمني واضح للانتخابات المقبلة، وتأكيد أن دور الجيش مؤقت لحماية الاستقرار فقط، لا للحكم الدائم.
التحديات أمام القيادة الجديدة
رغم الترحيب الحذر الشعبي بتدخل الجيش، إلا أن الشارع لا يزال متوجسًا من احتمال تحول السلطة العسكرية إلى حكم دائم.
كما تواجه الحكومة المؤقتة ضغوطًا من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة بضرورة الالتزام بخارطة طريق ديمقراطية، واحترام الحريات العامة.
إلى جانب ذلك، تقف الأزمات الاقتصادية والإنسانية كعقبة كبرى أمام أي مشروع إصلاحي، خصوصًا مع انخفاض الناتج المحلي وتدهور البنية التحتية.
في النهاية يبدو أن مستقبل مدغشقر اليوم مرهون بقدرة الرئيس الانتقالي العقيد مايكل راندريانيرينا على تحويل وعوده إلى واقع ملموس يلبي طموحات الشباب الذين فجروا شرارة التغيير.
فالشعب، ولا سيما جيل زد، يطالب هذه المرة بإصلاح حقيقي لا شعارات، وبنظام يضمن العدالة والكرامة والخدمات الأساسية للجميع.
وفي ظل مراقبة دولية دقيقة، تبقى مدغشقر أمام مفترق طرق: إما أن تنجح في بناء مرحلة انتقالية مستقرة، أو تعود إلى دوامة الأزمات التي أطاحت بسابقيها.