الدكتورة هالة السعيد لـ "الفجر": الذكاء الاصطناعي ركيزة التنمية المستدامة.. ومصر تمتلك رؤية وطنية متكاملة للتحول الرقمي

أخبار مصر

مؤتمر جامعة القاهرة
مؤتمر جامعة القاهرة للذكاء الاصطناعي

انطلقت فعاليات مؤتمر جامعة القاهرة للذكاء الاصطناعي، الذي يُعد الأول من نوعه على مستوى الجامعات المصرية، برعاية دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، والدكتور محمد سامي عبد الصادق رئيس جامعة القاهرة وبمشاركة مؤسسات عالمية كبرى تحت مظلة منظمة اليونسكو، والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، وعدد من المؤسسات الأكاديمية والبحثية وشركات التكنولوجيا العالمية.
شهد المؤتمر حضورًا رفيع المستوى، تقدمه الدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان، والدكتورة هالة حلمي السعيد مستشار رئيس الجمهورية للتنمية الاقتصادية والرئيس التنفيذي للمؤتمر، والدكتور محمد أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي والرئيس الشرفي للمؤتمر، والدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والمهندس محمد جبران وزير العمل، إلى جانب محافظي القاهرة والجيزة، وعدد كبير من رؤساء الجامعات وعمداء الكليات وممثلي الوزارات والمنظمات الدولية والطلاب.
وعلى هامش المؤتمر، أجرت الفجر حوارًا خاصًا مع الدكتورة هالة السعيد التي تحدثت عن أهمية الذكاء الاصطناعي في التنمية المستدامة، واستعداد الدولة المصرية لمواجهة تحدياته، ودور الجامعات في بناء القدرات البشرية المؤهلة لهذا المستقبل.

■ في البداية، كيف ترين دلالات انعقاد مؤتمر جامعة القاهرة للذكاء الاصطناعي بهذا الزخم؟


الحقيقة أن هذا المؤتمر يمثل خطوة مهمة للغاية على طريق بناء وعي وطني متكامل بقضية الذكاء الاصطناعي، فهو لم يعد ترفًا علميًا بل أصبح أحد المحركات الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم كله. اليوم لا يوجد منتدى أو ندوة أو مؤتمر دولي إلا ويتناول قضية الذكاء الاصطناعي وتأثيره على مستقبل البشرية.
ما يحدث في جامعة القاهرة هو ترجمة عملية للرؤية الوطنية، التي تسعى إلى دمج الذكاء الاصطناعي في منظومتنا التعليمية والبحثية والاقتصادية. مصر دولة تمتلك مقومات بشرية متميزة، وإذا أحسنا توجيهها بالتعليم والتدريب، يمكن أن نتحول من مستخدمين للتكنولوجيا إلى صانعين لها.

■ ما تقييمك لمستوى الوعي الحالي بالذكاء الاصطناعي في مصر؟


نحن نتحرك بخطوات جيدة جدًا. لدينا استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي تم اعتمادها من مجلس الوزراء، وتقوم على ثلاثة محاور رئيسية: بناء القدرات البشرية، تطوير البنية الرقمية، وتعزيز الاستخدام الآمن والمسؤول للتكنولوجيا.
لقد قطعت مصر شوطًا كبيرًا في إعداد البنية التحتية الرقمية، لكن الأهم هو الاستثمار في الإنسان، لأن العنصر البشري هو الذي يبتكر ويطور ويقود عملية التحول. لذلك، أطلقت الدولة العديد من المبادرات لتدريب الشباب على مهارات المستقبل، مثل مبادرات وزارة الاتصالات ومراكز الإبداع التكنولوجي.

■ هناك من يرى أن الذكاء الاصطناعي قد يشكل تهديدًا لسوق العمل.. ما رأيك؟


صحيح أن الذكاء الاصطناعي سيُحدث تغيرات جوهرية في طبيعة الوظائف، لكنه في الوقت نفسه سيخلق فرصًا جديدة. التحدي هو في كيفية الاستعداد لهذا التحول.
نحن نعمل حاليًا على تحديث مناهج التعليم وربطها باحتياجات سوق العمل المستقبلي، فهناك تخصصات جديدة بدأت تظهر مثل علوم البيانات، والروبوتات، والذكاء الاصطناعي الصناعي.
كما أن الجامعات المصرية أنشأت كليات جديدة مثل “كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي”، لتخريج أجيال قادرة على قيادة هذا التحول. نحن لا نخشى الذكاء الاصطناعي، بل نراه فرصة لتحقيق التنمية المستدامة وتسريع وتيرة النمو الاقتصادي.

■ من وجهة نظرك، ما أبرز التحديات التي تواجه مصر في تطبيق الذكاء الاصطناعي؟


أبرز التحديات تتمثل في حوكمة الذكاء الاصطناعي، وضرورة وضع تشريعات واضحة تنظم استخدامه، خاصة فيما يتعلق بحماية الخصوصية وسرية البيانات.
هناك أيضًا تحدي “الأمن السيبراني” الذي أصبح من أولويات الدولة، لضمان الاستخدام الآمن للتكنولوجيا في المؤسسات الحكومية والخاصة.
كذلك نواجه تحديًا في الوعي المجتمعي؛ فالتكنولوجيا تتطور بسرعة كبيرة، ولا بد من إعداد المواطن للتعامل معها بوعي ومسؤولية، لأن الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على النخبة، بل يدخل في تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين.

■ وماذا عن الجانب الأخلاقي أو النفسي الذي يرافق هذا التطور التكنولوجي؟


هذا محور غاية في الأهمية. نحن بحاجة إلى دراسة الآثار النفسية والاجتماعية لاستخدام الذكاء الاصطناعي على الإنسان، سواء في العمل أو التعليم أو التفاعل الاجتماعي.
القضية ليست تكنولوجية فقط، بل إنسانية في المقام الأول. لذلك أكدت في المؤتمر على ضرورة إشراك علماء الاجتماع والنفس والتربية في رسم سياسات الذكاء الاصطناعي، حتى تكون الرؤية شاملة ومتوازنة.
كما أن بناء الوعي المجتمعي هو أحد المحاور الأساسية في الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي. وهذا دور الجامعات والمراكز البحثية والإعلام في توعية المواطن بماهية الذكاء الاصطناعي وكيفية التعامل معه دون خوف أو مبالغة.

■ ما الخطوات التي تراها الدولة ضرورية لتعزيز جاهزية المؤسسات المختلفة لهذا التحول؟


نحتاج إلى تكامل بين مؤسسات الدولة في التخطيط والتنفيذ، بحيث تتواكب كل القطاعات مع التحول الرقمي. الجامعات والمؤسسات التعليمية يجب أن تكون في مقدمة هذا التحول، لأنها من تصنع الكوادر البشرية.
كذلك من الضروري دعم ريادة الأعمال والشركات الناشئة في مجالات التكنولوجيا، فمصر دولة شابة، وأكثر من 60% من سكانها من فئة الشباب، وهذه طاقة هائلة يمكن توجيهها نحو الابتكار والإنتاج الرقمي.
كما أن الدولة تعمل على تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص والشركات العالمية، للاستفادة من الخبرات ونقل التكنولوجيا وتوطينها داخل السوق المحلي.

■ في رأيك، ما الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة المصرية في ثورة الذكاء الاصطناعي؟


المرأة عنصر أساسي في عملية التنمية، وقد أثبتت جدارتها في مجالات التكنولوجيا والبحث العلمي. الدولة المصرية تدعم مشاركة المرأة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي من خلال برامج التدريب والمنح والمبادرات الحكومية.
لدينا نماذج نسائية مشرفة في الجامعات ومراكز البحث، وعلينا أن نواصل تمكينهن وتعزيز حضورهن في مجالات البرمجة والابتكار وريادة الأعمال، لأن التنوع في فرق العمل يعزز جودة الابتكار.

■ أخيرًا.. كيف ترين مستقبل مصر في مجال الذكاء الاصطناعي خلال السنوات القادمة؟


أنا متفائلة جدًا. مصر تمتلك الرؤية، والإرادة السياسية، والبنية التحتية الرقمية، والكوادر البشرية. الطريق بدأ، والتحديات موجودة، لكن لدينا من المقومات ما يجعلنا قادرين على المنافسة إقليميًا ودوليًا.
الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تكنولوجيا، بل هو وسيلة لتحقيق تنمية مستدامة وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

اختتمت الدكتورة هالة السعيد حديثها بالتأكيد على أن مصر تخوض مرحلة تاريخية من التحول الرقمي، تستند فيها إلى رؤية وطنية شاملة قوامها الابتكار والمعرفة والاستثمار في الإنسان.
وأشارت إلى أن الدولة تمتلك اليوم بنية رقمية قوية، واستراتيجيات واضحة في التعليم والبحث العلمي، تسعى إلى تحويل التحديات إلى فرص حقيقية للنمو.
وأكدت أن الذكاء الاصطناعي يمثل محورًا رئيسيًا في تحقيق التنمية المستدامة، ليس فقط من خلال تطوير الصناعة والإنتاج، بل من خلال بناء إنسان قادر على التفكير والإبداع والمنافسة عالميًا.


واختتمت الوزيرة حوارها برسالة إلى الشباب قائلة: "أنتم قادة المستقبل.. استثمروا في عقولكم، فالمستقبل لمن يمتلك المعرفة والقدرة على الابتكار".
بهذه الكلمات، عكست السعيد رؤية دولة تدرك أن التحول نحو الذكاء الاصطناعي ليس خيارًا تكنولوجيًا فحسب، بل هو خيار وطني استراتيجي يرسم ملامح مصر الحديثة في عالم رقمي يتغير كل يوم.